كعادته لا ينسى التواصل مع جميع الناس، وذلك من منطلق إيمانه وإحساسه بمسؤوليته وواجبه تجاههم من منطلق عمله الذي طلبه بنفسه، والذي يجتهد فيه يومياً حتى تقوم الساعة، كعادته لا ينسى تذكير الناس بأنه سيظل موجوداً حتى لو اضطر إلى أخذ «إجازة قسرية» خارجة عن إرادته. عرفت ذلك حينما استقبل بريدي الإلكتروني رسالته المعتادة التي تسبق حلول شهر رمضان، رسالة من إبليس الرجيم نفسه يقول فيها: «لا سلام ولا تحية، يا أيها البشر الفانين على هذه الأرض، أبداً لا أهنئكم بحلول شهر رمضان كونه شهر عبادة وطاعة وتقرب لله الخالق وفيها تزيدون من لعناتكم علي. لكنني أهنئ نفسي بحلول هذا الشهر لأنه الوحيد من شهور العام الذي أتمكن فيه من أخذ إجازة سنوية متواصلة لا أضطر لقطعها، خاصة وأنني شخصياً أعمل طوال أيام العام، حتى إجازات نهاية الأسبوع أعمل فيها، ويعمل معي فيها باجتهاد شديد بقية الشياطين كل حسب موقعه وتوصيفه الوظيفي ومهمته في إغواء البشر. يحق لي وأنا إبليس أن أرتاح في هذا الشهر، فأنتم يا بني البشر لا تفارقون ذهني لحظة واحدة منذ بدء الخليقة وستبقون في بالي حتى تقوم القيامة، إذ لأجلكم طلبت من الخالق أن ينظرني إلى يوم يبعثون حتى أغويكم جميعاً. صحيح أن بعضكم ممن يمتلك إيماناً راسخاً وقوياً يسبب لي صداعاً نصفياً دائماً بسبب التفكير في طرائق مبتكرة لإغوائه، لكن كثيرين منكم بصراحة لا يتعبونني أبداً، إذ غوايتهم أسهل من شرب ماء النار. «يبردون» على القلب فلا تعب ولا نصب معهم. أنا راحل في إجازتي بهدوء، ومثلما سيلهو أغلبكم ساعات طوال أمام شاشة التلفاز لمتابعة المسلسلات الرمضانية أو يقضي لياليه في السهر واللعب والسكر والعربدة، فأنا أيضاً سأستمتع بمتابعة مسلسلاتكم الرمضانية التي ستقومون أنتم ببطولتها طوال هذا الشهر، سأجلس وأحصي عدد المعاصي والخطايا التي سترتكبونها من تلقاء أنفسكم دون تدخل مني أو وسوسة. الجميل في زمنكم هذا أنني لا أعاني كثيراً في إضلال البشر مثلما كنت أعاني في قرون ماضية حينما كان إيمان الناس راسخاً وأخلاقياتهم وقيمهم ثابتة لا تتزحزح، وبسبب ذلك بأن الشيب في رأسي «والله شيبوني». لكن معكم وتحديداً في رمضان لا أحتاج للقيام بأي شيء، أكون في إجازة، لكن عملي مستمر ويزيد نتاجه أصلاً، فكثير من الصائمين في النهار يقلبون الدنيا في الليل، يظنون بأن رمضان يعني الامتناع عن الأكل والشرب حتى تغرب الشمس، وبعدها يطبقون القاعدة التي تقول: «بعد العشاء افعل ما تشاء». عموماً لن أطيل، فقد حزمت حقائبي مبكراً للإجازة منتظراً تصفيدي بالأغلال، لكنني أحببت أن أوصيكم بما أوسوس به لكم دائماً، رجاء دعوا «عداد» المعاصي والخطايا والعربدة واجتراح المحرمات يدور دونما توقف، رجاء حطموا الرقم القياسي في معصية الله تحديداً في رمضان. والله عيب نقول إبليس طلع إجازة والناس تابت، البركة فيكم». انتهت الرسالة، والتي بعد قراءتها حاولت أن أرد عليها بسرعة برسالة إلكترونية عل إبليس يستقبلها ويتمكن من اتخاذ إجراء بحيال الطلب الذي ضمنته فيها. كتبت له: «سعادة السيد الشيطان الرجيم، أدرك تماماً تعويلك في رمضان على شياطين الإنس في القيام بدورك وأتباعك دون أن يصرف لهم بدل إنابة! وأدرك تماماً بأن كثيرين منهم يبرعون في أداء المهمة أكثر منكم حتى، لكن لنا طلباً صغيراً جداً لو تتمكن من تحقيقه، إذ يكفينا شياطين الإنس التي ترتكب المعاصي والخطايا، وعليه لو تتكرم وتأخذ معك شياطين الإنس الآخرين الذين سيحولون رمضان في بلادنا إلى شهر تخريب وحرق وتكسير وإرهاب، هؤلاء شياطين لن يزيدوا غلة المعاصي في رصيد إنجازاتك، لكنهم سيزيدون من ترويع الناس وتخويفهم وإقلاق حياتهم، بالتالي الناس لن تأخذ راحتها كما تخطط له يا سيد إبليس. رجاء أن يتحصل طلبنا هذا على موافقة سريعة منكم قبل أن يتم تصفيدك بسلاسل من حميم ونتورط». المثير أنني تلقيت من إبليس الرجيم رداً سريعاً لكنه مقتضب جداً، كتب فيه: «شياطيننا متخصصون في غواية الناس فقط، أما بخصوص هذا النوع من الشياطين الممارسة للإرهاب والمتواجدة عندكم فنرجو تحويل طلبكم إلى الجهات المسؤولة عن الأمن في بلدكم، وإن تمت محاسبتهم بالقانون والحكم بالعقوبة التي يستحقونها دون تمطيط في الزمن، حينها أرجو إبلاغي، إذ قد أعلن توبتي وأغير اسمي من إبليس إلى عتريس»! رمضان كريم وأعاده الله على البحرين وأهلها المخلصين بالخير والأمن والسلام.