حين تحدثتُ وعلَّقتُ في أكثر من مقال وتحقيق صحافي حول أهم مشكلات محافظة المحرق، وما تعانيه هذه المحافظة من إهمال ومسخ لهويتها العربية وأصالتها البحرينية، تلقيتُ سيلاً من الاتصالات والرسائل النصية و»الإيميلات»، كلها ترحب بطرح هموم المحرق عبر الصحافة، علّ وعسى أن تكون تلك الإضاءات واللفتات جرس إيقاظ للمسؤول البحريني من أجل الاهتمام بمنطقتهم التائهة بين الغربة والإهمال.
هذا تماماً ما تحدثت عنه من قبل، فيما يتعلق بأهمية أن يناقش الكاتب البحريني قضايا المجتمع ويقترب منه بصورة أكبر، حتى يحاول أن ينقل واقع وهموم الناس إلى الجهات المختصة، وفي الحقيقة هذا كل ما يريده أبناء المجتمع من الكاتب والصحافي لا أن يظل طيلة الوقت منغمساً في مناقشة القضايا السياسية المتكررة، متجاهلاً بقية القضايا الحياتية الأخرى التي لا تقل شأناً عنها، أو يستغرق في تنظيرات فكرية وسياسية ليست محل اهتمام المجتمع، بينما يوهم نفسه أن ما يناقشه من قضايا تعدّ محل اجماع بين الناس لكنها ليست كذلك.
ليست المحرق المنطقة الوحيدة في البحرين التي تعاني من نقص في الخدمات، فهنالك كثير مثلها في تشابه الهموم والقضايا، ومن هنا نحتاج في كل مرَّة نكتب عن قضايا المجتمع البحريني أن نتناول منطقة من المناطق، حتى تتضح الصورة للمؤسسة الرسمية وللمجتمع على حدٍّ سواء، فيكون العمل المؤسساتي والمجتمعي منظماً ومستوعباً لحاجات الشارع البحريني.
ما يفتقر إليه بعض الصحافيين في هذا المجال لاستكمال الصورة وإيصال الرسالة واضحة ومفهومة للجهات المعنية، هو أن تضع بعض المؤسسات يدها بيد هؤلاء الصحافيين، والتعاون معهم بصورة لائقة، لا أن تتعامل شريحة منهم مع هؤلاء بطريقة فوقية، فيها كثير من الاستعلاء، ففي نهاية المطاف يظل المسؤول هو المُحتاج لخدمات الإعلامي وليس العكس، ولهذا يكون من غير الحكمة أن ينقطع المسؤول عن الصحافة والصحافيين دون وجود أي مبرر لذلك.
مازال هنالك اليوم نواب وشوريون وبلديون ومسؤولون وغيرهم ممن يمتلكون خيار المشاركة في صناعة مستقبل واعد للبحرين يرفضون التصريح لوسائل الإعلام، إما خوفاً من افتضاح تقصيرهم أو ربما لإفلاسهم وتيقنهم الكامل أنهم لم يقدموا للمجتمع أي أمر فيه منفعة ملموسة، ومن هنا يخشون مواجهة السؤال.
ليست هذه المشكلة فحسب، بل هناك من هذه الشخصيات التي وضعتْ نفسها في موقع المسؤولية المجتمعية والرسمية، لم تصرح لهذه الساعة أي تصريح صحافي منذ تسلمها المنصب، والبعض منهم مازال يخشى الظهور، ليس تواضعاً بل هروباً من المساءلة أو ربما لأنه لا يجيد التحدث بموضوعية وصدق مع وسائل الإعلام، فيكون الترك بالنسبة لهؤلاء أولى من الحديث والتواصل معنا.
في الحقيقة هذه هي معاناتنا الصريحة مع المسؤولين، وهي عدم قدرتنا كإعلاميين من إيصال الصورة كاملة ونقية للمجتمع، بسبب وجود أعضاء كسالى في الدائرة التي تشكل بمجملها حلقة واحدة في مجموع حلقات تطوير المجتمع وتقديم أفضل الخدمات إليه، فنحن لا نستطيع أن نقنع الناس بأمور نحن لم نحصل عليها أصلاً، لأن من يمتلك المعلومة يحجبها عنَّا وبالتالي يحجبها عن المجتمع.
الدولة مطالبة ومن الآن، بأن تلزم كل النواب والشوريين والبلديين والمسؤولين بالتعاون مع وسائل الإعلام إذا اقتضت الضرورة، أو كان ذلك الأمر مُلحاً لاستكمال الصورة، وإلا سيظل الإعلامي غير قادر على محاكاة الواقع، فيقع تحت ملامة المجتمع، في حين يكون المسؤول الحقيقي عن التقصير بعيداً عن الظهور منعزلاً في الظل، وهذا ما يجب أن يعلمه كل بحريني.
رغم امتعاضنا الشديد من بعض أولئك الذين يتجاهلون واقع المجتمع، يبقى هنالك من المسؤولين وغيرهم من إذا وضعته على الجرح شُفي، ولهذا نتمنى أن يكون هؤلاء قدوة لأولئك.