لا أطيق شخصياً قراءة الكتابات مهما كان نوعها إذا كتبت باللهجة الدارجة أو بالعامية كما تسمى، وسبب ذلك اعتقادي أنها تمثل شكلاً من أشكال احتقار العربية الفصحى التي ينبغي التمسك بها في ظل تراجعها اليوم من ثقافة العرب عموماً. ولذلك أتجنب دائماً قراءة أية نصوص تكتب بهذه اللهجة ليس رفضاً للفكرة التي يمكن أن تقال من خلال هذه اللهجة المكتوبة والتي مازالت دون قواعد، وإنما رفضاً لتأسيس قواعد لهذه اللهجة كبديل عن العربية الفصحى.
مؤخراً أثار فضولي الصديق الكاتب فواز الشروقي عندما عرض عليّ قراءة رواية جديدة لشابة بحرينية تمثل تجربتها الأولى الرئيسة، الرواية لا تعتبر قصيرة، والكاتبة ليست معروفة بالنسبة لي حتى أندفع أو أتحمس لقراءتها، ولكن الحماس غلبني كثيراً عندما قال لي الشروقي إن أحداثها تمت في منطقة الحد، وتحديداً في المنطقة الجنوبية منها، وهي المنطقة التي تمثل الكثير لأهالي الحد، وحتى لتاريخ البحرين عندما يتم تحليل مختلف الظواهر فيها. وشخصياً أحمل الكثير من الذكريات من هذه المنطقة التي تعود لها جذوري وإن ابتعدت عنها بعض كيلومترات معدودة فمازال فيها بقايا مجلس جدي الأكبر قائمة.
شجعني الصديق الشروقي لقراءة هذه الرواية، فبحثت عنها سريعاً لأجدها في إحدى المكتبات المحلية بشارع المعارض، الرواية اسمها (قلوب في أحضان باردة) وكاتبتها الروائية الشابة سارة سالم وهي ابنة الحد أيضاً.
لم أضغط على نفسي كثيراً عندما اكتشفت منذ قراءة الصفحات الأولى أنها تعتمد على أسلوب كتابة تمتزج فيه الفصحى بالعامية، ولم أقرر حينها الحكم على الرواية بالفشل لأن كاتبتها تستخدم العامية، بل انتظرت وسط حماستي منذ البداية لهذه الرواية المثيرة جداً والتي تستحق القراءة أكثر من مرة.
خصّصت حيّزاً من وقتي كل يوم لقراءة هذه الرواية التي استمتعت بالتقنيات المستخدمة فيها، وهي تقنيات كافية لكي تشفع لكاتبتها كثيراً عندما قررت المزاوجة بين الفصحى والعامية.
ولذلك أنهيتها خلال أقل من أسبوع، أحد الأصدقاء لاحظ سهري على قراءة هذه الرواية كل ليلة واستمتاعي بها، ولذلك قرر أحد الأيام أن يأخذ الكتاب قليلاً ليطلع عليه وأنا جالس أمامه في المقهى، فلاحظت نهمه في القراءة واندماجه في أحداثها، فأدركت أن لكاتبتها سحراً بسيطاً وسريع المفعول على القراء، ولم ينته هذا السحر إلا عندما قاطعته قائلاً: “أعجبتك الرواية؟”، فابتسم وهز رأسه إيجاباً، وهو يغلق الصفحة الخمسين التي انتهى منها خلال ساعة، وقرر شراءها ليواصل الانشغال بأحداثها.
ما يميّز هذه الرواية القدرة الفائقة لكاتبتها في الانتقال من أحداث إلى أخرى، فالأسلوب ليس سلساً فقط، وإنما أسلوب يدفع القارئ لقراءة أكثر من قصة من نفس الوقت، بمعنى أنها أبدعت في كتابة مجموعة قصص داخل رواية واحدة، وكل قصة مرتبطة بشخوص الرواية نفسها، ويفاجأ القارئ بالربط المتقن بين جميع هذه القصص أو الأحداث.
لن أكشف عن النهاية، فليس من الأدب إنهاء الحدث أو القصة، ولكنني سأتحدث عن الأسلوب البانورامي الذي اعتمدته الكاتبة عندما استطاعت جمع الأحداث وإنهائها في بضع فقرات، وكأنها حلقة أخيرة من مسلسل درامي.
أكتب عن الروائية الشابة سارة سالم وأنا لم ألتقِ بها قط، ولكنني قرأت إبداعها قبل أن أراها، وهو إبداع يستحق التقدير. وأعتقد أنها موهبة بحرينية خالصة في مستقبل الرواية يستحق إبداعها أن يتحول إلى دراما بحرينية باحتراف.