بعد اندحار القوة الإسلامية التي جاء بها الإسلام ومن خلال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وامتداد تلك القوة الإسلامية من خلال الخلفاء الراشدين والدولتين الأموية والعباسية لتمتد من الشرق إلى الغرب ومقولة هارون الرشيد لغيمة في السماء (أمطري أنى شئت فخراجك راجع إلي)، وتفتت الدولة الإسلامية الواسعة إلى فتات تقاسمته شراذمة الغرب والشرق آنذاك برغبة الانتقام من هذه القوة التي حرمتهم من العبث بتلك الأوطان، كما ومنعتهم خيراتها، لذا اتسم ذلك التقاسم بروح الانتقام والتشفي، ومن يومها وبعد أن ازدهر الغرب والشرق ترسخت لدى شعوبهم ثقافة أن العرب المسلمين وأؤكد (العرب) يجب ألا ترجع لهم القوة ولأي سبب كان وتحت أي مسمى كان، لأنه سيعيد حقباً لا تحبها تلك الدول بل وتكرهها.
تطورت أوروبا وامتلكت نواصي العالم فاقتسمته قسمة ضيزى، خاصة بالمنطقة العربية وراعت فيها مصالحها ومصالح شعوبها فقط، أما أصحاب الأرض والحقوق فلم تراع على الإطلاق ولم يوضع لها أية حسبان مما دفع بشعوب الأراضي العربية المحتلة (الوطن العربي) إلى المناداة بالاستقلال والتحرر، فقدم العراق ثورة العشرين وهزم الإنجليز، بل قتل القائد البريطاني وعلى يد الشيخ (ضاري) رحمه الله وقبره مزار من يومها في منطقة أبو غريب -وهو والد الشيخ الدكتور حارث الضاري المبعد الآن عن وطنه العراق!- واستقل العراق، وقدمت الجزائر ثورة المليون شهيد ضد الفرنسيين وحرب ضروس أدت إلى استقلال الجزائر، وثارت ليبيا ضد الإيطاليين بقيادة عمر المختار رحمه الله، واستقلت ليبيا وثارت سوريا ضد الفرنسيين وقتل من قتل من أهلها المناضلين واستقلت، وكان يومها ربيعاً عربياً بامتياز، ولتعذرني البلاد العربية التي لم أذكرها وليعذرني أهل التاريخ فهو ليس تخصصي، لكن المهم هو أن انهارت تقسيمة الوطن العربي المسماة (بمعاهدة سايكس بيكو) ورجعت البلدان العربية مؤقتاً إلى أهلها.
لم تهنأ الدول العربية بزوال الاستعمار والهيمنة العالمية إلا قليلاً؛ إذ لم ترفع تلك الدول يدها عن تلك البلاد خصوصاً ما تميز منها بالعلم والثقافة والمثقفين مثل العراق وسوريا ومصر ولبنان وغيرها آنذاك، بل بدأت بتكوين أحزاب سياسية مولتها ودعمتها إلى أن أوصلتها إلى سدة الحكم، فحكم حزب البعث في العراق وسوريا وسلمت الحكم إلى ميلشيات مسيحية في لبنان، وإلى العسكر في مصر وإلى معتوه في ليبيا وإلى حزب علماني معروف بعدائه للعروبة والإسلام في الجزائر، وهكذا تحولت تلك البلاد العربية إلى (جمهوريات عربية) واختلفت فقط في اسم البلد، كانت تلك الجمهوريات ولازال بعضها أشد فتكاً بأهلها ومواطنيها من “الاستعمار الذي ادعت محاربته”، وكانت كل تلك الجمهوريات وبالاً على المواطن العربي والوطن العربي على حد سواء، ولكم في البلاد التي ذكرت أعلى المقال عبرة وعظة فكل الجمهوريات العربية أثبتت فشل أنظمتها وسياساتها ودون استثناء.
بالأمس ظهر الخير في البلاد العربية من نفط وغيره، خصوصاً في دول الخليج العربي، بالذات تلك الصحارى التي أهملها الاستعمار والهيمنة العالمية باعتبارها ومن خلال سياساتها لا تزيد عن رمال وأمراء وشعوب فقيرة فتغيرت السياسات وتغير المنظور لأن الطمع والجشع الغربي لا يتوقف ولا يشبع، فأينما وجد الخير وجدت الغرب يزايد ويحاول أن يأخذ ولا يعطي، وإذا أعطى فالفتات ولا غير الفتات هو ما سيعطى. منطقة الخليج اتسمت بحكم العوائل من ملوك وأمراء وشيوخ، وبالتالي فهي تختلف عن الجمهوريات البائدة والبائسة، فهذا النوع من الحكم تضبطه وتحكمه أصول وعادات وتقاليد وسلوكيات تختلف اختلافاً جذرياً عن الجمهوريات، فهنا للدخيل حق وللمجير حق وللديوان حق وللمجلس العائلي حق، باختصار هو قصة أخرى عن الجمهوريات. تدفق الخير على هذه البلاد وبدأ أمراؤها وشيوخها وملوكها ببناء أوطانهم والإغداق على شعوبهم، وفي أقل من 20 سنة بدأ مثقفو ومتعلمو الجمهوريات يأتون إلى دول الخليج التي اغتنت للعمل بها مقابل أجور لا تدفع لهم في جمهورياتهم، وكان الخليج ولازال ملتقى العرب من العراق إلى المغرب ومن الشام إلى اليمن.
اليوم وما يجري مما يسمى بالربيع العربي في الجمهوريات الكاسدة، وبعد أن وصلت شعوب الخليج العربي إلى أرقى مستويات التعليم وتخرجت من أفضل المدارس والجامعات العالمية، ظهرت منظمات عالمية تحاول أن تغرر بالشباب الخليجي في محاولة لدفعهم إلى الخروج على حكامهم وشيوخهم وأمرائهم، وطرح الأنظمة الجمهورية المعدلة عليهم سواء من حيث المبدأ الديني أو العلماني في محاولة لكبح التقدم الذي وصلت إليه هذه الدول، واختصارها لمئات السنين من التقدم في عشرات السنين من خلال شراء الخبرات والإمكانيات من خالص خيراتها ودون تفضل أحد عليها، وهذا منعطف خطير يجب الالتفات إليه، إذ إن ربط الإصلاح بالخروج على أنظمة الحكم يعد مسألة خطيرة جداً، فهل أن خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كوندليزا رايس ينوي تحويل الخليج إلى جمهوريات لا سمح الله.
لذلك أطلب من الجميع أن يقف وقفة تأمل وتفكير جاد فيما وصلت إليه أوضاع المواطن في الجمهوريات الكاسدة وأوضاع المواطن بدول الخليج العربي، دون اللجوء إلى شعارات فارغة وتفقه سياسي أجوف، بل ببساطة وضمير، وسيجد كل مواطن في الخليج العربي أنه بخير وينتظره ما هو أكثر من خلال بعض الإصلاحات المطلوبة، والتي يحرص عليها الحكام قبل المواطنين، لذا فإن الهيمنة العالمية الجديدة يجب ألا تجد من يعاونها من الداخل الخليجي إلى تحقيق مآربها التي سيكون فيها المواطن الخليجي آخر اهتماماتها.
{{ article.visit_count }}