من يقرأ ما بين سطور حديث عاهل البلاد خلال رئاسته اجتماع مجلس الوزراء يدرك جيداً الحاجة لحديث أكثر وتفاعل أكبر بين المسؤولين والشعب بمختلف مكوناته. فالاستفهامات كثيرة، والأسئلة أيضاً كثيرة، والإشاعات منتشرة، وبين هذا وذلك لا يوجد مسؤول قادر على الخروج أمام الجمهور والتحدث معهم بصراحة وجرأة حول مختلف القضايا التي تدور بين في أذهانهم. بالفعل هذا هو الواقع اليوم، ومن يقول غير ذلك بلا شك يجامل أو يحاول إخفاء الحقيقة. درجة التواصل بين المسؤولين والمواطنين باتت محدودة إن لم تكن معدومة لدى البعض، ولسنا بحاجة إلى لقاءات جماهيرية بهدف الدعاية والبهرجة الإعلامية بين وقت وآخر لإثبات أن هناك تواصلاً بين المسؤولين والشعب. المؤسف جداً أن الزيارات الميدانية واللقاءات المباشرة بين المواطنين والمسؤولين لا تتم غالباً إلا عندما يكون هناك توجيه فقط من القيادة، فما أن تصدر التوجيهات إلا وقام المسؤولون بزيارات سريعة ومتكررة وأعلنوا البرامج والمشاريع و»أكدوا.. وشددوا.. ونوّهوا»، لكن بعد فترة تذهب مثل هذه الزيارات أدراج الرياح بلا جدوى، وكأن التوجيهات من القيادة صدرت لفترة مؤقتة ولمجرد سد أفواه المواطنين وإقناعهم بأن التواصل موجود ودائم ومستمر. لدي مجموعة إحصاءات وبيانات تتعلق بزيارات عدد من المسؤولين لإحدى المحافظات أعلنوا فيها ـ خلال الزيارات ـ أنهم سيقومون بهذه المشاريع، وبتلك التكلفة وهي مبالغ طائلة ومشجعة. ولكن المؤسف أن مثل هذه الزيارات انتهت وانتهت وراءها الأصداء الإعلامية التي سعى إليها المسؤول، وكأنه ليس معنياً بمتابعة وتطبيق مثل هذه التصريحات التي أعلن عنها. هذه الحقائق تدفعنا إلى الإشارة إلى أن النظام السياسي البحريني ليست لديه أدوات فاعلة وناجحة للتواصل بين قمة الهرم السياسي وقاعدته تماماً رغم وجود الفرص الكبيرة. البعض يرى أن التواصل يمكن أن يكون من خلال الزيارات الميدانية، أو اللقاءات المباشرة التي يمكن أن تتم في المجالس الأهلية، أو حتى مجالس المسؤولين، والبعض يرى إمكانية الاستفادة من التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي في ظل بداية حضور لافت لبعض المسؤولين عبر هذه الشبكات. جميع هذه الأساليب مجدية، ولكن المهم ليس الأسلوب لأن الأساليب متعددة، بل الأهم النتائج التي يمكن أن يسفر عنها هذا التواصل. فليس مقبولاً أن يرى المواطنون مسؤولاً يتواصلون معه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولكنهم لا يرون منه جواباً أو نتيجة عندما يتعلق الأمر باستفسار لديهم، أو معلومة يحتاجونها، أو حتى رغبتهم في التعرف على موقف الدولة أو الحكومة بشأن قضية ما. التواصل بين قمة النظام السياسي وقاعدته أمر مطلوب، لأنها مسألة خطيرة عندما نسترجع بالتاريخ للثورات التي اندلعت في أمريكا وإنجلترا وروسيا وفرنسا كان سببها الرئيس الاستياء المتصاعد تجاه الحكومة، وهو ما يتطلب التأمل فيه كثيراً بدلاً من المجاملات غير المجدية.