توزيع كتب دينية في مظاهرة تطالب بحياة مدنية مسألة تحتاج إلى أكثر من وقفة، فقد تم قبل أيام -حسب بعض المواقع الإلكترونية المحسوبة على “المعارضة”- توزيع كتاب ديني في إحدى المسيرات التي خرجت في النبيه صالح، وجاء نص الخبر كالتالي: “قام الثوار في المسيرة اليوم بتوزيع كتاب (في مدرسة الإمام الخميني (ق) من إصدار تيار الوفاء)” . وبعيداً عن ركاكة صياغة الجملة (قام بتوزيع في المسيرة اليوم) وبعدها وصائغها عن اللغة العربية، فإن قيام تيار سياسي يقول إنه يطالب بإقامة دولة مدنية لا دينية بطباعة كتاب ديني وتوزيعه في مسيرة تطالب بالحريات والحياة المدنية مسألة فيها تناقض، فما علاقة كتاب الخميني بمثل هذه المظاهرة؟ في مختلف التصريحات المتعلقة بطبيعة الاحتجاجات يقول “قادة المعارضة” من الدينيين إنهم لا يسعون إلى دولة دينية ولكن إلى دولة مدنية، ويطرحون مجموعة من الأفكار تتعلق بتداول السلطة وما ينبغي أن تكون عليه السلطة التشريعية، وما إلى ذلك من أمور لا تجد لها كثيرا تطبيقا على أرض الواقع، فإذا كان السعي هو نحو بناء دولة عصرية مدنية؛ فما الحكمة من توزيع كتاب للخميني في مظاهرة هنا أو هناك؟ ما الرابط بين هذا وذاك؟ لماذا توزيع كتاب ديني تحديداً؟ ولماذا تحديداً هو من كتب الخميني؟ هذا، ألا يعطي الآخرين الحق في التساؤل عن علاقة المتظاهرين وطابعي الكتاب وكاتبي الخبر عنه بإيران؟ غالبا سينبري من يقول إن أحداً من تيار الوفاء لم يطبع الكتاب المذكور ولم يوزعه في المسيرة، وقد يقول إن المخابرات هي التي طبعت وهي التي وزعت.. وربما هي التي أجبرت المشاركين في المسيرة على أخذ نسخة من الكتاب الذي (قام بتوزيعه في المسيرة اليوم)! بعيداً عن هذا وذاك، هناك سؤال يطرح بقوة؛ لماذا الدينيون هم الذين يقودون “المعارضة” وهم الذين يقودون المسيرات والاعتصامات وهم الذين يدعون إليها وهم الذين يحرضون الشباب ويصرحون للإعلام ويتسيدون الموقف والساحة؟ ألا يعطي هذا الآخرين حق التساؤل عن علاقة ما يجري في الساحة برجال الدين؟ ومن ثم علاقته بإيران؟ والتساؤل كذلك عن معقولية مطالبة الدينيين بدولة مدنية. كل هذه التناقضات تعطي الآخرين الحق في طرح كثير من تلك الأسئلة، فعندما تكون القيادات دينية ومنفذو المسيرات متطرفين دينيا ويرفعون شعارات دينية ويعتمدون في “نضالهم” على الدعاء على الآخرين أن يزيلهم الله ويخسف بهم الأرض.. ويطبعون كتاباً للخميني وربما لآخرين من الرموز الثورية الدينية ويوزعونها في المسيرات، عندما يتم كل هذا على أرض الواقع فإن التساؤل عن التناقض بين ذلك وبين المطالبة بالدولة المدنية يكون مشروعاً وملحاً. تساؤل آخر يصير من حق الآخرين طرحه هنا هو إذا كان هؤلاء يطبعون كتاباً من كتب الخميني ويوزعونه في العلن فما الذي يفعلونه في السر؟ وأي كتب يتم توزيعها بصيغة “محدود التداول”؟ أبداً ليس مقنعاً الخروج أمام الملأ بالعمامة وممارسة كل تلك الممارسات الدينية وإطلاق التصريحات الدينية، ثم القول إن الدولة الدينية ليست هدفاً وإن الهدف هو الدولة المدنية، لأنه لو كان هذا صحيحاً، فلماذا المناداة بإسقاط النظام؟ أليست الدولة التي نحن فيها اليوم مدنية؟ نعم يكون الكلام مقبولاً لو لم يرفع شعار إسقاط النظام، ويكون مقبولاً لو تم الاكتفاء بالمطالبات الإصلاحية، فطالما أن الدولة المدنية التي يراد الوصول إليها موجودة فما الداعي من إسقاطها وبناء غيرها؟ لا يتخلى أهل البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، عن دينهم ولا يمكن ركنه جانباً، لكن لا قبول أيضاً لدولة مدنية يقودها دينيون.