في حركة دراماتيكية سياسية أفصحت إيران عن احتمال إقدامها على إغلاق مضيق هرمز. جاء ذلك صبيحة يوم الجمعة الموافق 20 يوليو 2012 على لسان النائب في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسى، الذي أعلن أن “أغلبية نواب البرلمان وافقت على مشروع قانون يهدد بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط رداً على العقوبات الأوروبية ضد إيران”، مضيفاً “أن 150 نائباً من أصل الأعضاء الـ 290 في البرلمان وقعوا على مشروع القانون، وإنه إذا استمرت العقوبات فلن تستطيع الدول التي فرضتها عبور مضيق هرمز دون أن تصاب بأذى”، مؤكداً “أن إيران من الناحية العسكرية تمتلك القوة الضرورية لإغلاق المضيق، مشيراً إلى أن أي دولة لن تتمكن من فتح المضيق في حال إغلاقه”.
ليست هناك أية مدعاة لمناقشة القدرة العسكرية الإيرانية، بغض النظر عن إمكانية إقدامها على مثل هذه الخطوة أم لا. لأنه في الصراعات السياسية، قلّما تكون مثل تلك القدرة العسكرية هي العنصر الوحيد الذي يحدد القرارات السياسية التي يمكن أن تتخذها أية دولة، وليست إيران حالة استثنائية، في الإقدام على اللجوء إلى الحلول العسكرية، إذ إنه غالباً ما تتداخل مجموعة عناصر، يقع الخيار العسكري في أسفل عتبات سلم أولوياتها، تكون لها الغلبة في صنع قرار الاختيار. كما إننا لن نحاول أن نزج بتداعيات الساحة السورية، التي تسير في خط بياني معاكس لحسابات إيران ومراهناتها، عند معالجة هذه القضية.
مسألة أخرى تجدر الإشارة لها قبل الدخول في حسابات الربح والخسارة من أجل تقدير جدية إيران في الإقدام على مثل هذه الخطوة، هي أنه لم يسبق لأية دولة مطلة على الخليج العربي، وخلال أي من الأزمات التي مرت بها هذه المنطقة أن أقدمت على خطوة مشابهة، بما في ذلك التهديد اللفظي، إزاء هذا الممر الاستراتيجي على مستوى توفير، كما تورد مؤسسة “شال” الكويتية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية للمنطقة ما يربو على 17 مليون برميل يومياً من النفط وفقاً لاحصائيات 2011، تبلغ نسبته ما يقارب من 20% من الإنتاج العالمي للنفط، ويشكل 40% من صادرات النفط أو تجارة النفط العاليمة.
وعلى امتداد ما يزيد على ربع قرن من الزمان، منذ إسقاط نظام الشاه، لم تقدم طهران حتى إبان المراحل الصعبة التي واجهتها في الحرب الإيرانية - العراقية التي امتدت حوالي ثمان سنوات على مثل هذه الخطوة، إدراكاً منها لما تحمله من مخاطر وما يمكن أن تستفزه من قوى، بما فيها بعض الحليفة لها مثل الصين، ذات المصلحة المباشرة في استمرار تدفق النفط الخليجي للأسواق العالمية.
لكن بعيداً عن كل ذلك، يستحق الأمر أن نقرأ مدى ما يجمع بين هذه الخطوة، في حال إقدام إيران عليها، والسياسة الخارجية الإيرانية، وعلى وجه التحديد تلك المتعلقة بمنطقة الخليج العربي: التي تقوم وفقاً للتصريحات الإيرانية المعلنة على المرتكزات الاستراتيجية التالية:
1. إبعاد المنطقة عن التدخلات الدولية، والسعي لحل المشكلات الداخلية فيما بين دولها بشكل ودي يحول دون اللجوء لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي غير المرغوب فيه، بشكل مطلق من وجهة النظر الإيرانية المعلنة. ومن ثم هناك حرص إيراني معلن على تحاشي تدخل أي طرف خارجي، وعلى وجه الخصوص من الدول الكبرى، سعياً، من وجهة النظر الإيرانية، لحماية المصالح الإقليمية الداخلية لهذه المنطقة الحيوية.
2. العمل على بلورة نوع من أشكال التعاون، قابل للتنفيذ، بين دول المنطقة، تعززه روابط الجوار، وتقوي من أواصره العلاقات الدينية، وتدفع به نحو الأمام المصالح المشتركة، من أجل تقليص عناصر الشقاق ، وتشجيع عوامل الوفاق، تمهيداً للوصول إلى أشكال أرقى من التنسيق والتعاون، تبعد المنطقة عن أية صراعات داخلية هي في غنى عنها.
واضح أن هذه الخطوة، ستأتي بنتائج معاكسة، إن لم تكن مناقضة لمثل هذه التوجهات، بغض النظر عن حسن نوايا طهران، عند إقدامها على أية خطوة عسكرية من شأنها إغلاق المضيق، ولو لفترة زمنية محدودة، طال أمدها أم قصر، وذلك للأسباب التالية:
1. إعطاء الدول الكبرى التي ما تزال حتى يومنا هذا، في أمس الحاجة لنفط الخليج، وليس في وسعها الاستغناء عنه بمصادر بديلة للطاقة، أفضل مبرر كي تدس أنفها في المنطقة، وتعود للتدخل المباشر فيها، بما في ذلك إرسال قوات لإعادة فتح المضيق، تحت مبرر حماية الأمن الدولي. وبالتالي، وعوضاً عن تقليص الوجود الأجنبي في منطقة الخليج، سيساعد إغلاق المضيق على تعزيز الوجود الأجنبي، تحت مبررات، مهما بدت واهية، لكنها ستكون حينها مقبولة، في الأوساط الدولية. ولعل في تصريحات السفير البريطاني لدى دولة الكويت فرانك بيكر رداً على قرار البرلمان الإيراني الكثير مما يمكن قراءته في هذا الاتجاه. فقد أكد بيكر على رفض بلاده لهذا الأمر، قائلاً “إن بريطانيا لا تقبل أن تقوم أي دولة في العالم بإغلاق أي ممر دولي أمام الملاحة العالمية، سواء كان ذلك الممر مائياً أو جوياً، وأن على إيران أن تعي أن هناك سفناً حربية بريطانية ترابط في منطقة الخليج مع السفن الحربية الأمريكية، (مشيراً) الى وضوح وصراحة قواعد القانون الدولي المتعلق بالملاحة والذي لا يعطي لأي دولة في العالم الحق في إغلاق الممرات المائية أمام حركة الملاحة الدولية،(منوها) نحن واضحون حول هذه المسألة، والإيرانيون يعون ذلك”.
2. استفزاز دول الخليج العربي العربية، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، وإرغامها، حتى وإن هي أرادت خلاف ذلك، على اللجوء إلى ردود فعل متشددة، حماية لمصالحها النفطية على الصعيد الاقتصادي، وتحسباً لأية ردة فعل داخلية غير متوقعة على المستوى السياسي. الأمر الذي سيقود إلى تأجيج الصراعات، بدلاً من التخفيف منها كما تدعي إيران.
3. تبرير موقف الصقور على حساب دعوات الحمائم في الموقف العربي من السياسة الإيرانية، وهذ سوف يقود، شاءت إيران أم أبت، إلى سكب الزيت على نيران العلاقات المتوترة، وتصعيد لغة الحرب، بدلاً من مفردات السلام. محصلة ذلك إفشال مساعي تحسين العلاقات بين الطرفين العربي والفارسي، وهما أكبر شريكين على ضفتي الخليج العربي، ووضع السلاح بيد من لهم مصلحة في صفوف الطرفين لإيقاد نيران الصراعات وتأجيجها.
في ضوء كل ذلك، وبمنطق حسابات الربح والخسارة، نجد أن مجرد الإعلان عن هذه النية الإيرانية لن يخدم مصالح الدولة الإيرانية، دع عنك المصالح المشتركة لدول الخليج العريي، بل أنه يتناقض، وبشكل مباشر مع السياسة الإيرانية المعلنة. ومن هنا، ربما كان في الإقدام على هذه الخطوة بعض التسرع المشوب بمسحة من التهور، والذي وإن كان يلبي بعض المطالب على المستوى الداخلي الإيراني، لكنه، وبدون أي شك لن يخدم مصلحة سياسة إيران الخارجية، ولا استراتيجيتها الدولية وبكل المقاييس