خلصنا في المقال السابق إلى أن لدى كل فرد منا حاجته الأساسية المفقودة التي يبحث عنها، ويسعى إلى تلبيتها بمختلف السُبُل المتاحة له، وأن هذه الحاجة هي السبيل إلى إدراك احتياجاته وأهدافه، وبالتالي فإنها تشجِّعه للعمل على تحقيقها، وبذلك تجعل لحياته معنى وقيمة.
إن المبدأ الأول لنظريّة «الحاجة المفقودة» هو أن هذه الحاجة لابّد أن تكون أساسيةً، أي أن الشخص لا يستطيع أن يعيش، حياةً طبيعيةً على الأقل، دون أن يحقِّقها، أو لنقل، على سبيل التبسيط، إن حياته سوف تكون مختلفةً تماماً، وقد لا يتوافق مجراها في الأغلب الأعّم مع طموحاته ورغباته الأصليّة. فهذا الشخص مثلاً قد يكون بحاجة مستمرة إلى المال، وهذا الأمر أو الواقع المرّ قد يدفعه إلى السعي للحصول عليه بأي شكل كان، حتى لو «اضطر» لانتهاج الوسائل غير المشروعة قانوناً؛ وذاك قد لا تنقصه سوى السلطة، رغم أنه موظف ناجح، ويشيد به زملاؤه ورؤساؤه في العمل، إذ يشعر بأنه يريد يوماً ما أن يخضع الأشخاص الآخرون لأوامره ورغباته، باعتبار أن تحقيق هذه الرغبات هدف في غاية الأهمية بالنسبة له، وباعتبار أن اكتساب هذه السلطة سوف يمنحه الحرية والأمان والثقة بالنفس التي يفتقدها، ويشعر طوال الوقت بمدى وطأة ذلك على مسارات حياته؛ وثالث قد يكون بحاجة ماسّة إلى الحُب، ليس بالمعنى الجسدي بل الوجداني، رغم أنه متزوج، وسعيد، إلى حدٍ كبيرٍ، في زواجه، ولديه أبناء ناجحون في أعمالهم، ربما لأنه لم يحظَ بالحنان في طفولته، فتراه يقع سريعاً في حبّ أول امرأة تجذبه بكلماتها المعسولة، ويسعى جاهداً لتلبية كل طلباتها، كي يشعرها بأنه هو الشخص الوحيد الذي يجب أن تتعلّق به وتحبّه، مع أن دوافعها ومشاعرها نحوه قد تكون مفعمةً بالأنانيّة والمكر.
وهذا بطبيعة الحال لا ينفي وجود حاجات أخرى فرعيّة لدى كل واحد منّا، لكنها أولاً أقّل أهميّة، وثانياً تكون خاضعةً للحاجة الأساسية، أو تنبثق منها وليس لها قيمة كبيرة خارج إطارها.
أما المبدأ الثاني فهو أن الحاجة الأساسية المفقودة لدى المرء ليست ثابتة عبر الزمان والمكان والأشخاص والمجتمعات، ففي فترةٍ ما، قد يكون المال فعلاً حاجة أساسية لا غنى عنها لدى الإنسان، لكن حصوله لاحقاً على المال، سواءً بشكل مُخططٍ أو مفاجئٍ، قد يحّل المشكلة من أصلها لكن استيفاء هذه الحاجة بالذات سيفتح الطريق أمام حاجة جديدة أخرى مفقودة أيضاً
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90