أدرك الجميع خطورة الإعلام وخطورة الدعاية وخطورة الكلمة المكتوبة في التوجيه والتضليل معاً، ولذلك تم استخدامه في بعض الأحيان بشكل سلبي وقليلاً ما استخدم بشكل إيجابي واليوم ها نحن نجني بعض الثمار المرة لذلك التوتير والإفراط في استخدام الكلمة بدون مسؤولية في كثير من الأحيان، خاصة بالنسبة للذين اعتبروا الديمقراطية مجرد «مملكة حقوق وحريات» دون واجبات ودون قيود أو حدود.
بالإمكان الرجوع إلى المواقع والمنتديات الإلكترونية لنجد أنها مثخنة بهذه اللغة الحربية التي أسهمت بشكل كبير في بناء متاريس وخطوط نار بين الطوائف والجرائد والمواقع والأفراد، خاصة في ظل هيمنة أفكار تصور باستمرار صراعات على غير صورتها الحقيقية، وتفتعل خلافات على غير مضمونها الحقيقي، ولذلك تم خلق جو خانق مشحون بالتحريض والأكاذيب والمزايدات والترويج المتبادل لأفكار مقاتلة عبر التوتير الأمني والتوتير الإلكتروني والتوتير الإعلامي والتوتير المنبري والتوتير الاجتماعي، فوقع المحظور والذي بلغ مبلغاً لم يعد من الممكن السكوت عنه، ولذلك كان لابد من وضع حد لكافة ضروب المزايدات والتجاوزات، بوضع النقاط على الحروف، ووضع الخطوط الفاصلة بين الحرية والمسؤولية وبين الواجبات والحقوق وبين الأمن والفوضى، فلا حقوق بدون واجبات، ولا حرية لمن لا يحترم حرية الآخرين وحقوقهم، ولا سكوت ولا تهاون مع اللاعبين بالأمن.
هنالك مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وحرية الرأي هي أوكد حقوقهم وأكثرها حيوية بالنسبة إليهم، وهنالك دولة ونظام وقانون، وكل من يتحرك خارج تلك الثوابت فلا يلوم إلا نفسه، ويفترض بخطابنا الإعلامي أن يكون، من حيث المبدأ منسجماً مع هذه الثوابت لا أن يسهم في خلط الأوراق بالدفاع عن الباطل وتبرير التعدي بكافة أنواعه ومصادره أو أن يعمد إلى التزييف والكذب أو إثارة النعرات البدائية أو التنابز بالألقاب وتبادل الشتائم والتعيير!! تلك ليست مهمة الإعلام ولا رسالة الإعلاميين.
على صعيد الحلول يتساءل البعض عن الكيفية التي يمكن الحد من خلالها من المخاطر المتزايدة المتصاعدة للحرب الإعلامية الجديدة التي تتعرض إليها العديد من البلدان، ومنها البحرين، فتسهم في إلحاق إضرار جسيمة ببنيانها الاجتماعي وباستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي، وانتظام الحياة فيها، هل يمكن أن يفضي العمل على «ترشيد» الحرية الإعلامية وما تنشره المواقع الإلكترونية والتصريحات والفعاليات المثيرة للنعرات والفتنة، إلى التضييق على الحريات مثلاً؟
بل يتساءل نفس هؤلاء ألا يمكن أن يؤدي مثل هذا الإجراء -الذي لم يعد ينتمي إلى العصر وإلى المجتمع الديمقراطي- إلى مواقف مضادة للحريات والحقوق المصونة في القانون والدستور؟ ولكن، وفي المقابل، هل يعتبر إسكات بؤر الكذب والتلفيق الإعلامي ممارسة مضادة للحرية الإعلامية مثلاً؟ أم أن الترشيد أو الإسكات لا ينفعان في التعامل مع الإعلام في ضوء الانفلات الكامل من الرقابة واستعصاء الترشيد في ظل السماوات المفتوحة وثورة الاتصال التي أنهت احتكار الدولة للإعلام والمعلومة، بل أنهت قدرة الدولة على التحكم في المدخلات المعرفية والمعلوماتية ومخرجاتها؟
إن ممارسة الحرية، تواجه بالحدود التي يفرضها القانون، أو التي يرسمها العرف، وإذا كان صحيحاً أن كل ممارسة للحرية، تقع تحت طائلة القانون، وأن المتاح للمساءلة والشفافية والمحاسبة وإدارة النقاش العام حول القضايا العامة -في هذه الحالة- يتضاءل، وربما ينعدم. ولكن ممارسة الحرية يجب أن تخضع في النهاية للقانون وللضبط الاجتماعي، بوضعها على محك اختبار المسؤولية، وبالتالي يتم ترشيدها، حتى تكون بحق خلاقة ومفيدة للأفراد وللمجتمع معاً. إذ لا يعقل في جميع الأحوال أن تكون ممارسة الحرية خارجة عن القانون والأعراف، حيث تؤدي بهذه الصورة إلى الفوضى والعبث. فالحرية، لا تعني أن السلوك حر في فضاء غير محدد وغير محدود، فكل سلوك مرهون بالبيئة والمواقف والمجتمع والقانون والأولويات والثوابت، هكذا نفهم الحرية.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90