في صيف عام 2010 بدأت الحملة الانتخابية للفصل الثالث من عمر البرلمان البحريني.
في تلك الفترة أصدرت الوفاق «بروشوراً» فاخر الطباعة من القطع الكبير، وضعت فيه صور مرشحيها للمجلسين النيابي والبلدي، وغيرت عديداً من أصحاب العمائم بأصحاب البدلات، وبينت في هذا «البروشور» الدعائي أسباباً عديدة تدفع الناخب للتصويت لمرشح الوفاق، مبرزة «الإنجازات» التي حققتها الوفاق عبر ناخبيها في برلمان 2006.
قبل أيام من التصويت كان حديث الوفاقيين وعلى رأسهم أمينهم العام علي سلمان يتمحور حول وجود «مطبخ حكومي» هدفه إسقاط مرشحي الوفاق وتقليل عدد الواصلين منه إلى البرلمان عن المرة السابقة.
أرعدوا وأزبدوا، وتفننوا في كيل الاتهامات في كل محفل وفي صحيفتهم. لكن يوم الانتخابات وبعد العصر خرج الأمين العام ليعلن في مؤتمر صحفي عن وصول جميع المرشحين الثمانية عشر للبرلمان. أعلن وصولهم قبل ساعات من عملية الفرز وإعلان النتائج، وكأنه يعلم سلفاً بالنتيجة، خاصة بعد عمليات الترهيب والترغيب التي مارسها عناصر الجمعية على الناخبين وعند مقار الاقتراع في يوم التصويت.
فجأة اختفى الكلام عن «المطبخ»، وتركز الحديث على استمرار الوفاق في خدمة الناخبين عبر العمل على «المنجزات السابقة» وزيادة حجمها.
وفي الوقت الذي كانت فيه جمعيات متحالفة مع الوفاق مثل المنبر التقدمي والمنبر الديمقراطي تكتوي بنار الأولى، وتعرض أميناها العامان حسن مدن وحسن العالي لعمليات تشويه صورة وتسقيط وحرب واضحة، كانت «وعد» الحليف الأقرب للوفاق تخرج كعادتها من المولد بلا حمص، مرشحوها يعيدون تكرار نفس كلامهم بعد انتخابات 2006 بالإشارة لوجود عملية تستهدف إسقاط مرشحي وعد.
ماذا فعلت الوفاق لـ»وعد»؟، باعتبار أن ما فعلته بالمنبرين الديمقراطي والتقدمي كان أمراً واضحاً للعيان، وهي مسألة «خجل» المعنيون في الجمعيتين من ذكرها في حوار التوافق الوطني الصيف الماضي، حينما نوقشت المسائل المعنية بالعملية الانتخابية؟!
ألم تقل الوفاق بأن هناك «مطبخاً حكومياً»؟! ألم تقل «وعد» بأنها استهدفت؟!
الإجابة عن ذلك كانت عبر رسالة أرسلها أمين عام الوفاق علي سلمان إلى سمو رئيس الوزراء الموقر الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله، يقول فيها الأول التالي بالنص:
«صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله، رئيس مجلس الوزراء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
يشرفني يا صاحب السمو الملكي أن أرفع إلى سموكم الكريم أسمى آيات التهاني والتبريكات بمناسبة نجاح الانتخابات النيابية والبلدية معرباً لسموكم عن اعتزازنا بالمشاركة الشعبية الواسعة التي جسدت روح الديمقراطية والشفافية وأكدت اللحمة الوطنية في ظل المشروع الإصلاحي الذي أرسى قواعده جلالة الملك المفدى بحكمة واقتدار من أجل خدمة الوطن والمواطنين في ظل المسيرة المباركة، متمنياً المزيد من الرقي تحت قيادة جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه. ودمتم سالمين.
الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية».
رسالة علي سلمان لسمو الأمير خليفة بن سلمان، والأخير الذي تستهدفه الوفاق شخصه وموقعه خلال الأزمة التي مرت بها البحرين ما جعل كل المخلصين يلتفون حول باني نهضتهم الحديثة، رسالة سلمان تضمنت الآتي:
- دعا لصاحب السمو الملكي بـ»حفظه الله».
- قال في مطلع رسالته «يشرفني يا صاحب السمو» أن أرفع لـ»سموكم الكريم» أسمى آيات التهاني والتبريكات.
- سبب رسالته، التهنئة بمناسبة نجاح الانتخابات النيابية والبلدية.
- أعرب لسمو رئيس الوزراء عن اعتزازه بالمشاركة «الشعبية الواسعة».
- وصف المشاركة بأنها «جسدت روح الديمقراطية والشفافية وأكدت اللحمة الوطنية».
- أكد بأن المشروع الإصلاحي أرسى قواعده جلالة الملك بحكمة واقتدار من أجل خدمة الوطن والمواطنين.
- في النهاية تمنى «المزيد من الرقي» تحت قيادة جلالة الملك «المفدى حفظه الله ورعاه».
تحليل مضمون الرسالة عملية سهلة يقوم بها حتى طلاب الابتدائي، والرسالة موجودة في أرشيف الصحف وبالأخص الصحيفة الصفراء، وقد أعيد نشرها قبل أيام في أحد المواقع التحريضية لتذكير علي سلمان والوفاق بمواقفهم وكلامهم في السابق مع ظهور بوادر حالية لتراجع في صيغ الكلام ووجود عمليات اتصال سرية لتستعيد الوفاق بعضاً من «المكاسب» التي فقدتها بسبب قفزها إلى الدوار وتسيدها ما يسمى بـ»الثورة».
لن أحلل أي شيء هنا، لكن بالنظر إلى رسالة المناضل «الصامد» الموجهة لسمو رئيس الوزراء «حفظه الله» بعد نهاية الانتخابات، وبالنظر لخطاباته اليوم نعجب بالضرورة.
أكانت تقية؟! أم كان نفاقاً وكذباً؟!
ما قرأناه وعرفناه عن «المناضلين الحقيقيين» و»القادة العظماء» أنهم لم يمارسوا الكذب، ولم يكونوا يستغلون الناس لأجل مصالحهم الخاصة.
مثلما كتبت تلك الرسالة، رسائل عديدة يعملون على صياغتها اليوم بعد عمليات تواصل سرية لحفظ ماء وجوههم، هذه الرسائل -التي عليكم انتظارها قريباً- يمكن ملاحظتها في طيات خطاباتهم الأخيرة التي تحاول جس نبض شارعهم في حال غيروا اتجاه البوصلة، مثلما فعلوا مع «إسقاط» النظام، حينما حولوه لـ»إصلاح» النظام.