وسط توقعات متباينة من الدوائر المحلية والعالمية، رسا اختيار الرئيس المصري محمد مرسي على هشام قنديل، فعينه في يوم 24 يوليو 2012 «رئيساً للوزراء وكلفه بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة تصريف الأعمال التي كان يترأسها كمال الجنزوري وقدمت استقالتها في الآونة الأخيرة».
على المستوى الشخصي والمهني، وكما تداولت وكالات الأنباء، «ولد هشام قنديل عام 1962، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة عام 1984، ثم على الماجستير والدكتوراه في هندسة الري من جامعتي يوتا ونورث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية عامي 1988 و1993. ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1995، والتحق بالمركز القومي لبحوث المياه وحصل على درجة الأستاذية في عام 2002».
أما على المستوى السياسي، فرغم أنه غير منتمٍ رسمياً، علنياً على الأقل لجماعة الإخوان المصريين، لكن هناك من يقول بميوله نحو أفكارهم، كما إنه، وهذا هو الأهم، قد «تولى وزارة الري في الحكومة الثانية التي شكلها رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف في 21 يوليو 2011، وأبقى عليه كمال الجنزوري في الحكومة التي شكلها بعد ذلك، إلى أن قدمت استقالتها».
أثار تعيين قنديل رئيساً لوزراء مصر كثيراً من الجدل والتباين في الرأي، في المجتمع المصري، عكسه إلى حد بعيد، المسح الإلكتروني لاستطلاع الرأي الذي قام به موقع «محيط»، فمن اندهاش الكاتبة سكينة فؤاد التي قالت «لا أعرف الكفاءات أو القدرات التي دفعت دكتور مرسي لهذا الاختيار، فنحن نعيش لحظة فارقة من تاريخ مصر، وقد وعد دكتور محمد مرسي القوى الوطنية باختيار رئيس وزراء مصري ذي شخصية مستقلة تتناسب مع خطورة المرحلة القادمة وتحدياتها، وتشكيل وزارة تمثل فيها جميع الأطياف والتيارات الوطنية تأكيداً لانتماء الرئيس مرسي لمصر كلها قبل أي انتماء، (متسائلة)، ماذا أنجز هشام قنديل في ملف مياه النيل؟ وماذا أحرز من تقدم لاختياراته؟، وما مدى قدراته على أن يحسن إدارة ملفات مصر الداخلية والخارجية في المرحلة القادمة؟»، مروراً بما وجده رئيس حزب الغد الجديد أيمن نور من أنه «اختيار مفاجأة غير متوقعة!! وعودة لزمن رؤساء الوزراء التكنوقراط»، إلى النظرة المتشائمة التي بدت في تقويم رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية خالد فهمي الذي عدد «بعض السلبيات التي يجب الانتباه إليها بعد هذا الاختيار، أولها أن قنديل في الفترة التي تولى فيها وزارة الري لم يحدث تحسناً ملموساً مطمئناً في ملف مياه النيل، فلم نسمع -وربما يكون الإعلام سبباً في ذلك- عن مشروعات للخروج من الأزمة»، انتهاء بتفاؤل الكاتب الصحفي ومقرر اللجنة الثقافية بنقابة الأطباء هشام الحمامي، الذي أبدى «ارتياحه للاختيار، ووصفه بأنه اختيار موفق يميل إلى عنصر الشباب في العمل التنفيذي ومدرسة التكنوقراط، (معتبراً) قنديل من الشخصيات المتصالحة التي تستطيع تكوين فريق عمل متناغم وهو ما نحتاج إليه الفترة القادمة».
بعيداً عن ذلك، يطرح هذا التعيين مجموعة من الأسئلة المهمة على الرئيس المصري محمد مرسي، أولها هو أنه وعد في حملته الانتخابية أن يقطع حبل سرته السياسية مع النظام القديم، فكيف له اليوم يختار رئيساً لأول وزارة يشكلها من شخصية مثل قنديل، تدرجت في سلم ترقيات النظام القديم حتى وصل بها المقام إلى تسلم أحد حقائبه الوزارية، دون أن تحقق -أي قنديل- أية إنجازات مرموقة في الاتجاه الذي يبشر له مرسي، تبرر هذا التعيين؟
السؤال الثاني هو، كيف يقدم مرسي على خطوة من هذا القبيل، وبمثل هذا الحيز، ضارباً عرض الحائط تحالفاته السياسية، مع القوى التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة، ويختار بعيداً عن التباحث معها، رئيس وزرائه، مركزاً على الجانب التكنوقراطي، متجاوزاً البعد السياسي، وهو الأهم في هذه المرحلة، ذلك أن الوصول إلى التوافق السياسي، هو الذي بوسعه أن يختار الفريق التكنوقراطي، الذي تعج بأفراده الساحة المصرية، والمتوفر لدى كل قوة سياسية على حدة، فغياب التوافق السياسي من شأنه أن يشل أية حكومة تكنوقراط تتسلم زمام الحكم في مصر في هذه المرحلة؟
أما السؤال الثالث، فهو ما مدى صحة العلاقة التي تربط بين قنديل والإخوان المسلمين؟، حيث تعتبرعضو مؤسس في ائتلاف القوى المدنية ميادة مدحت، «رئيس الوزراء الجديد يحسب على التيار الإخواني، لافتة إلى أن هذا الاختيار يأتي استكمالاً لتهميش من قاموا بالثورة، ليصبح معيار الاختيار كما كان يفعل الحزب الوطني المنحل في النظام السابق هو الولاء وليس معيار الكفاءة، قائلة إن الإخوان يتبعون سياسة الإقصاء لكل الأطراف الأخرى»؟
تلك كانت من بين أهم التساؤلات التي سيجد مرسي نفسه مطالباً بالرد عليها، وبالشفافية المطلوبة، إن هو أراد أن يبحر بسفينة الحكومة التي اختار رئيسها بنفسه إلى بر الأمان. لكن، وبغض النظر عن النتائج المقبلة المتوقعة لهذه الحكومة، لا يبعد ذلك، عن قنديل التحديات التي سوف يواجهها، والتي من بين الأهم فيها التالية:
أول تلك التحديات هو، كيفية التعامل مع القوى السياسية في نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والتي تتطلب الانسلاخ التام من علاقاته القديمة التي تربطه معها بشكل مباشر، ومع أسماك القرش التي تقف وراءها وتعزز من مواقعها. ليست هذه مهمة سهلة كما قد تبدو للمتابع للمشهد السياسي المصري الحاضر، إذ تملك تلك القوى الكثير من المفاتيح التي ما تزال ممسكة بها بين يديها، التي بوسعها استخدامها متى ما أحست بالحاجة لذلك. يزيد من صعوبة هذا التحدي، كون قنديل أحد أبناء ذلك النظام القديم، ومن ثم فطريق الخروج من بوتقة العلاقات التي نسجها في السابق وعرة، وقطعها في غاية الصعوبة والتعقيد، خاصة بعد تصريح مرسي أنه سوف يستشير المجلس العسكري عند اختيار وزير الدفاع في الحكومة الجديدة.
ثاني تلك التحديات هو كيف سيعبر قنديل، وهوالتكنوقراطي المحض، حقل ألغام تشكيل حكومته، التي تزرع ألغامها تلك القوى السياسية، سواء تلك التي كانت نشطة خلال حكم النظام القديم، أم التي ولدتها ثورة 25 يناير المصرية. فالأولى ما تزال لم تعترف بهزيمتها النهائية بعد، والثانية لم تحصد ثمار ما زرعته وقدمت التضحيات من أجله بعد. سيجد قنديل، حتى إذا وفق وعبر تلك الحقول سليماً بحكومة معافاة، كمن شد بحبل في وسطه، تتجاذبه في اتجاهين متضادين، القوى السياسية التي أشرنا لها. فمن جهة ستحاول فلول النظام القديم، بعد أن تعيد تنظيم صفوفها أن تشده نحوها، كي تحافظ على مصالحها، وتحد من محاولات المس بها، وفي الطرف الآخر، تقف القوى الجديدة، التي لن تتوقف عن شد قنديل نحوها كي تضمن تخليصه من مخالب تلك القوى أولاً، وجذبه في اتجاه طريقها ثانياً.
تلك كات مجموعة تساؤلات لن يستطيع مرسي أن يتحاشى الإجابة عليها، وتحديات ليس في وسع قنديل إهمال عناصرها.