لأكثر من عام يقدم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى دروساً لمجتمع البحرين في كيفية تجاوز تداعيات أزمة 2011، وهي الأزمة التي ما زالت تلقي بظلالها على النظام السياسي المحلي، وما زالت أطراف الصراع تركز على كيفية الحصول على مكاسب أكبر أكثر من اهتمامها بالتركيز على كيفية تجاوز حالة الصراع نفسه. دروس ولي العهد تكون جليّة في برنامج عمله الذي يحرص عليه في شهر رمضان على وجه التحديد من خلال سلسلة طويلة من الزيارات للمجالس الشعبية لمختلف العوائل البحرينية التي تمثل مكونات المجتمع المحلي، وما يصاحبها من خطاب سياسي مهم بحاجة إلى تحليل طويل ندر أن يتم. والسؤال هنا؛ ما هي الدروس التي يقدمها سمو ولي العهد في سلسلة زياراته المتتالية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من فهم طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البحرين، وهي العلاقة التي نشأت منذ قرون طويلة، وتقوم على الارتباط الوثيق والمصالح المتبادلة انطلاقاً من أواصر القربى والتحالف الممتد عبر التاريخ. في السابق قبل مرحلة التحول الديمقراطي في البحرين اعتمدت هذه العلاقة على تلمس النخبة الحاكمة احتياجات المواطنين من خلال التواصل المباشر معهم بالزيارات أو المجالس المفتوحة. ولاحقاً بعد استقلال الدولة البحرينية في العام 1971 ظهر الرهان على كيفية تطوير هذه العلاقة بحيث تكون علاقة مؤسسية حديثة كما هو معمول به في العديد من الأنظمة الديمقراطية، ولكن الظروف التي مرّت بها الدولة على مدى ربع قرن لم تساعد على ذلك. وعندما تولي عاهل البلاد مقاليد الحكم في مارس 1999 وطرح مبادرته نحو التحول الديمقراطي الثاني في تاريخ البحرين الحديث اعتمد أيضاً على الأسلوب التقليدي في العلاقة بين النخبة الحاكمة والشعب واستطاع ببراعة كسب تأييد الشعب نحو قرار تاريخي يدعم التحول الديمقراطي. الآن لدينا تجربة ديمقراطية وصلت إلى مرحلة الديمقراطية الراسخة بمعايير عالم السياسة الأمريكي الراحل صموئيل هنتنتجتون، واستغرقت التجربة نحو عقد كامل من الزمن، فهل بات النظام السياسي البحريني في غير حاجة للأسلوب التقليدي في العلاقة بين النخبة الحاكمة والشعب؟ أكاد أجزم بأن الحاجة ما زالت مستمرة، وهي تعطي دلالة على عدم جدوى تجاوز البنى التقليدية في المجتمع المحلي رغم تطور دولة المؤسسات وتطور القوانين وحتى الإصلاحات الدستورية المتتالية، لأن المسألة ليست مرتبطة فقط بتأسيس دستور عقدي حديث، وتأسيس سلطات ثلاث متطورة، واستحداث كم هائل من القوانين والأنظمة الوطنية. بل المسألة أعمق من ذلك بكثير، لأنها تتعلق بكيفية تطوير بنى المجتمع والحفاظ على علاقاتها التاريخية التي لا يمكن أن تفرّقها مؤسسات أو أنظمة أو حتى دستور. هذه الحقيقة غائبة كثيراً عندما يتم الحديث عن تطوير التجربة الديمقراطية البحرينية، أو بحث كيفية تحويلها إلى نموذج ملكية دستورية على غرار الملكية الدستورية البريطانية أو الأسبانية.. إلخ. زيارات سمو ولي العهد خلال رمضان لمختلف مكونات المجتمع تؤكد هذه الحقيقة، وأنه لا يمكن للنظام السياسي البحريني أن يتطور إذا تم تجاهل حقيقة أصيلة وثابت أساس من ثوابته الآنية والتاريخية. هذه هي الدروس العظيمة التي يقدمها سلمان بن حمد لمن يحاول تغييب حقائق المجتمع وثوابته.