أتصوّر أن المجالس التي تلتئم، أو تتابع التئامها، سنوياً في شهر رمضان المبارك تعتبر بحّق تجمّعاً مثالياً لتجسيد قيم التراحم والتواصل والتآخي بين أبناء الشعب البحريني، بمختلف مذاهبهم وطبقاتهم وفئاتهم، لذا يمثِّل هذا الشهر فرصةً ذهبيةً لتدشين المصالحة الوطنية المأمولة. فعلى هُدى المبادئ الإسلامية الغرّاء التي يحيي بها المسلمون في جميع أرجاء العالم طقوس الشهر الفضيل، وشعائره، يتقاطر أبناء الوطن على مجالس الخير والرحمة في كل قريةٍ ومدينةٍ، فترى الفرد ما أن ينتهي من أداء الفروض الدينية، حتى يندفع إلى لقاء الأحِّبة والخلِاّن والأصدقاء في مجالسهم العامرة، ويتجاذب معهم أطراف الحديث حول المستجدات الأخيرة، فيجد بين ظهرانيهم نفوساً صافيةً تتوق إلى المحبة والوئام، وتريد أن تعيش في وطنٍ ترفرف عليه رايات الأمن والسلام، وتُهزم فيه مشاعر الكراهية والبغضاء ليحّل معها الحب والصدق والإيثار. أتصوّر أن الأحاديث الجميلة الصادقة التي تدور بين أروقة المجالس الرمضانية، والتي يعبِّر فيها كل مواطن عن مدى اشتياقه للقاء أصدقائه وأنسابه وأحبابه، والتواصل معهم، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، والتحدّث معهم من القلبِ إلى القلبِ، أتصوّر أن هذه الأجواء تشكِّل تربةً خصبةً لتدشين المصالحة الوطنية المنشودة، والتي يتمثل مضمونها الأساسي في البحث عن المشتركات الوطنية التي تهّم المواطن، وترتبط بمستقبله، ومستقبل أبنائه، ومصير الأجيال الصاعدة، والتركيز على كيفية التشبّث بها، في سبيل دحر محاولات زرع بذور الفتنة والشقاق بين الناس تارةً على أساس المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية، وتارةً أخرى على أساس المذهب. إن بحريننا الحبيبة تنادينا جميعاً في شهر رمضان المبارك، وتدعونا للتواصل والتقارب مع بعضنا البعض، فمهما كانت الأحداث التي مررنا بها جميعاً مؤلمةً وجسيمةً، إلا أن تجاوزها، والانتقال إلى أشكال متقدمة من التلاحم الذي يجسِّد الوحدة الوطنية المنشودة، يتطلّب منا توسيع الأفق الذهني، والتحلِّي بالحكمة، والاتزان والمسؤولية، والصدق في التعامل، والتعاطف مع الفقراء والمساكين، ومّد يد العون لهم، فهذا شهر التراحم الأسري والمجتمعي، ولا مناص من استغلاله في أعمال الخير التي سوف تعود على بلدنا نهضةً وعمراناً، وعلى أبناء وطننا رفاهيةً وسؤدداً