يرتبط شهر رمضان بالقرآن نزولاً ومدارسة وترتيلاً، وهذا الارتباط منذ النزول على على النبي في ليلة القدر بواسطة جبريل ونبينا صلى الله عليه وسلم يتحنث الليالي ذوات العدد “إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين”، فنزل أفضل الكلام على خير الأنام في أحسن الأيام. لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل القرآن في رمضان من كل عام، وهكذا الروايات المنقولة عن السلف من أئمة هذه الأمة، ومن بعدهم إلى يومنا حرصاً على عظيم أجر قارئ القرآن، ومن فضل الله أننا نجد المنافسة المحمودة في إتمام الختمة تلو الختمة. إن مشكلتنا اليوم حصر وقصر مفهوم التلاوة على التلاوة اللفظية دون استشعار القلب للمعاني ولا تفكير العقول في تفسير الآيات، لعل هم بعضنا آخر الصفحة أو الجزء أو المصحف، ثم ماذا!؟ هل غير القرآن سلوكاً أو أحدث تغيراً، أم يسرد سرداً دون روية ولا فكر ولا إدراك للمعاني. هل مثل هذا النوع من قراءة القرآن هو الغاية أو منتهى الطلب ونهاية المأمول أم أن المطلوب معها وبعدها تفكراً وتأملاً ثم تطبيقاً وعملاً. قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء:82، وقال: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) المؤمنون:68، وقال سُبْحَانَهُ: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ص:29، وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الزخرف:3، وقال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد:24. يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: “نزل القرآن ليتدبر وليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملاً”. فكان نبينا عليه الصلاة والسلام يقرأ آية في ليلة بآية حتى أصبح يرددها، وهي قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). والصحابة رضوان الله عليهم لما امتلأت قلوبهم بالإيمان لا تكاد تجدهم عند آية فيها أمر أو نهي إلا وهم أبرز من يسعى إلى تنفيذها والعمل بها، وهكذا يجب أن تكون قراءتنا اليوم نقف عند المعاني ونجمع الفكر على فهم الآيات ونشعر أننا المخاطبون بها، وننظر في طريقة القيام بها والعمل بما دلت عليه.