في تصريح غير قابل للجدل، ولا يحتمل أكثر من تأويل واحد، أعلن رئيس مفتشي الوكالة الدولية للطاقة هيرمان ناكارتس، الجمعة الماضي الموافق 24 أغسطس 2012 عن فشل محادثات الوكالة مع إيران حول ملف المفاعل النووي الإيراني، مؤكداً للصحافيين «كما حصل في اجتماعنا الأخير في يونيو الماضي، ننوي وضع اللمسات الأخيرة على وثيقة تتضمن مقاربة بنيوية لا تزال قيد التشاور منذ اشهر عدة»، مضيفاً أن «محادثات الجمعة كانت مكثفة، لكن ما زالت هناك خلافات هامة بين إيران والوكالة حالت دون الوصول إلى اتفاق». النتيجة ذاتها أكدها أيضاً سفير إيران لدى الوكالة علي أصغر سلطانية، حين قال «إنه تم إحراز بعض التقدم بلا شك لكن مازالت هناك خلافات».
جدد فشل الجهود الدبلوماسية الدولية الخاصة بالملف النووي الإيراني، مخاوف العديد من دوائر صنع القرار في دول المنطقة من احتمال إقدام الولايات المتحدة، مباشرة، أو عبر أحد حلفائها، على مغامرة عسكرية من شأنها وضع المنطقة برمتها، وهي التي ما تزال تعج بالاضطرابات منذ ما يزيد على العامين، مرة أخرى على كف عفريت. ورجحت بفضل ذلك أطروحات احتمال لجوء الولايات المتحدة، وهي التي لم تكف عن التحذير من تطورات الملف النووي الإيراني، وتهديده للسلام الذي تبحث عنه في منطقة الشرق الأوسط، إلى الحل العسكري الأمريكي المنفرد، بعد أن نفد صبرها، كما تدعي، من مساعي الدبلوماسية الجماعية.
لكن العديد من المصادر تستبعد الخيار العسكري الأمريكي المباشر المنفرد خلال الفترة القريبة المنظورة، نظرا لدخول واشنطن مخاض الانتخابات الرئاسية القادمة، الأمر الذي يخضع السياسات الخارجية لمتطلبات الأوضاع الداخلية، ومن ثم يضع عراقيل كثيرة تعيق قيام واشنطن بمثل هذه الخطوة التي يمكن أن تحرج من يحاول الترويج لها من بعيد، دع عنك من يدعي القدرة على القيام بها مباشرة. حتى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي ما تزال ممسكة بخيوط صنع القرار اليوم، والباحثة، في آن، عن مكسب سريع، محسوب المخاطر، يساعد الديمقراطيين في حملتهم الانتخابية القريبة، ليست في وضع يشجعها على خطوة صدامية يمكن أن تكون انتحارية في حال لم تحقق، وبشكل واضح في عين الناخب الأمريكي، الأهداف المعلنة التي تقف وراءها، والتي لا بد لها أن تمس شيئا من همومه الداخلية المباشرة، كي تضمن تفاعله الانتخابي الإيجابي لصالح الطرف الذي زج بقواه في أتونها.
يعزز أيضاً من استبعاد مثل هذا الخيار العسكري الأمريكي، موقف الطرف الإيراني الغاية في الحذر، والذي يتحاشى اللعب بنيران المواجهة الحربية، التي ربما يكون هو الآخر غير مستعد لها في الظروف الراهنة. ففي المقابلة التي أجرتها مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد محطة تلفزيون «سي بي إس» الأمريكية أثناء حضوره للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2012، أكد نجاد أن « أن بلاده لا تتجه نحو الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي. وبأنه لا يرى أن المواجهة العسكرية بين الجانبين تلوح في الأفق، وبأنه من الخطأ القول إن إيران والولايات المتحدة تسيران نحو المواجهة العسكرية»، متسائلاً و»لماذا يتحاربان؟». كان نجاد حذراً ولبقاً في تصريحه هذا، فهو يحمل دعوة مبطنة لواشنطن كي تتجاوز حاجز الحرج، وتقبل بالدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران حول ملفها النووي، وبالقدر ذاته لا يتعهد، بل لا يأتي على ذكر ما يمكن أن يفهم منه تخلي طهران عن مشروعها النووي.
هذا يكشف وبالملموس أن كل المشادات الكلامية المتكررة بين الطرفين، والتهديدات العلنية المتبادلة بينهما، والتي ما تزال مستمرة منذ ما يزيد على الخمس سنوات، لا تعدو كونها مظاهرات إعلامية، تخاطب، أساساً، المواطن في كلا البلدين، لكنها تخفي وراءها، في الوقت ذاته، الكثير من جهود المحادثات الدبلوماسية السرية الجادة التي تتجاوز إطار الملف النووي، وتذهب إلى ما هو أبعد منه، محاولة الوصول إلى فهم ثنائي مشترك بشأن خارطة الشرق الأوسط الجديدة، بما يحقق لطهران الدور المتميز الذي تحاول ممارسته، ويضمن لواشنطن حماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة التي لا تستطيع التفريط فيها. يجري ذلك في ظل غياب واضح للدور العربي من قبل العرب أنفسهم، وتجاهل صريح له من طرف جانبية الإيراني والأمريكي على حد سواء. ينبغي التحذير هنا من الوقوع فريسة سهلة في فخ التسطيح السياسي، الذي يقفز، بناء على ما تقدم، إلى نتيجة تضع إيران، بشكل تلقائي، في سلة المشروع الأمريكي. فالعكس هو الصحيح، إذ تحاول إيران الاستفادة من الوهن الذي تعاني منه المؤسسة الحاكمة الأمريكية، وحاجتها الملحة إلى مكسب سريع يغطي مظاهر ذلك الوهن، كي تنتزع أكبر قدر من المكاسب لصالح مشروعها الشرق أوسطي الذاتي، بتحاشي اصطدامه مع المشروع الأمريكي، أو حتى الأوروبي الغربي، وبتقديم أقل قدر ممكن من التنازلات التي تفرضها موازين القوى العالمية وأهم منه الإقليمية.
هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى العسكري، وإذا ما انطلقنا من فرضية صحيحة، وهي أن إيران تتحاشى قدر المستطاع الانجرار إلى مواجهة عسكرية، فالأمر سيان، وإن اختلفت الأسباب بالنسبة للطرف الأمريكي. فرغم ما نقلته مجلة «Air Force Times» عن وزير سلاح الجو الأمريكي مايكل دونلي في أحد لقاءاته مع كبار المسؤولين في «الكابيتول» من «أن القنبلة الخارقة للتحصينات الأقوى في الولايات المتحدة جاهزة للاستعمال بعد سنوات من التجارب والتطوير»، إلا أن هناك من يشكك في قدرة الأسلحة الأمريكية، على اختراق التحصينات الإيرانية لمفاعلها النووي، بما فيها القنبلة التي تحدث عنها دونلي، والتي تقدر بعض المصادر العسكرية زنتها «بحوالى 13.608 كيلوغرامات، وهي قادرة على اختراق تحصينات بعمق 61 متراً، ويصل طولها إلى 6.2 متر، وفي وسعها حمل أكثر من 2.400 كيلوغرام من المواد المتفجرة».
لذا، ومع تراجع الحل العسكري، في المستقبل المنظور، من برامج الطرفين: واشنطن وطهران، فمن غير المستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار آخر، لم تتوقف عن وضعه على طاولة مشروعاتها، وهو الإيعاز، وربما تشجيع، أحد حلفائها في المنطقة، للإقدام على مثل هذه الخطوة. وفي ظل الظروف القائمة في هذه المنطقة، لن تجد واشنطن أكثر أهلية، ولا أفضل استعداداً من إسرائيل، لتنفيذ هذه المهمة، خاصة، وأن أي من دول المنطقة الأخرى، ليس في وضع ذاتي يمكنها، فيما لو وافقت على القيام بذلك من حيث المبدأ، على التورط في أوحال مستنقع يصعب التكهن بنهايات الخوض فيه. ولعل في تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو يوم 24 أغسطس 2012، أثناء لقائه مع النائب في الكونغرس الأمريكي مايكل روجيرس، في أعقاب بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المعترف بوصول المحادثات مع إيران إلى طريق مسدود، الذي قال فيه «إن طهران رفعت كثافة النشاط المتعلق بتخصيب اليورانيوم. وأن إيران تسعى إلى الحصول على السلاح النووي، وذلك بغض النظر عن مطالب المجتمع الدولي»، بعض المؤشرات التي قد توحي باستعداد تل أبيب لقبول تلك المهمة، رغم المخاطر التي تحف بها
جدد فشل الجهود الدبلوماسية الدولية الخاصة بالملف النووي الإيراني، مخاوف العديد من دوائر صنع القرار في دول المنطقة من احتمال إقدام الولايات المتحدة، مباشرة، أو عبر أحد حلفائها، على مغامرة عسكرية من شأنها وضع المنطقة برمتها، وهي التي ما تزال تعج بالاضطرابات منذ ما يزيد على العامين، مرة أخرى على كف عفريت. ورجحت بفضل ذلك أطروحات احتمال لجوء الولايات المتحدة، وهي التي لم تكف عن التحذير من تطورات الملف النووي الإيراني، وتهديده للسلام الذي تبحث عنه في منطقة الشرق الأوسط، إلى الحل العسكري الأمريكي المنفرد، بعد أن نفد صبرها، كما تدعي، من مساعي الدبلوماسية الجماعية.
لكن العديد من المصادر تستبعد الخيار العسكري الأمريكي المباشر المنفرد خلال الفترة القريبة المنظورة، نظرا لدخول واشنطن مخاض الانتخابات الرئاسية القادمة، الأمر الذي يخضع السياسات الخارجية لمتطلبات الأوضاع الداخلية، ومن ثم يضع عراقيل كثيرة تعيق قيام واشنطن بمثل هذه الخطوة التي يمكن أن تحرج من يحاول الترويج لها من بعيد، دع عنك من يدعي القدرة على القيام بها مباشرة. حتى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي ما تزال ممسكة بخيوط صنع القرار اليوم، والباحثة، في آن، عن مكسب سريع، محسوب المخاطر، يساعد الديمقراطيين في حملتهم الانتخابية القريبة، ليست في وضع يشجعها على خطوة صدامية يمكن أن تكون انتحارية في حال لم تحقق، وبشكل واضح في عين الناخب الأمريكي، الأهداف المعلنة التي تقف وراءها، والتي لا بد لها أن تمس شيئا من همومه الداخلية المباشرة، كي تضمن تفاعله الانتخابي الإيجابي لصالح الطرف الذي زج بقواه في أتونها.
يعزز أيضاً من استبعاد مثل هذا الخيار العسكري الأمريكي، موقف الطرف الإيراني الغاية في الحذر، والذي يتحاشى اللعب بنيران المواجهة الحربية، التي ربما يكون هو الآخر غير مستعد لها في الظروف الراهنة. ففي المقابلة التي أجرتها مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد محطة تلفزيون «سي بي إس» الأمريكية أثناء حضوره للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2012، أكد نجاد أن « أن بلاده لا تتجه نحو الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي. وبأنه لا يرى أن المواجهة العسكرية بين الجانبين تلوح في الأفق، وبأنه من الخطأ القول إن إيران والولايات المتحدة تسيران نحو المواجهة العسكرية»، متسائلاً و»لماذا يتحاربان؟». كان نجاد حذراً ولبقاً في تصريحه هذا، فهو يحمل دعوة مبطنة لواشنطن كي تتجاوز حاجز الحرج، وتقبل بالدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران حول ملفها النووي، وبالقدر ذاته لا يتعهد، بل لا يأتي على ذكر ما يمكن أن يفهم منه تخلي طهران عن مشروعها النووي.
هذا يكشف وبالملموس أن كل المشادات الكلامية المتكررة بين الطرفين، والتهديدات العلنية المتبادلة بينهما، والتي ما تزال مستمرة منذ ما يزيد على الخمس سنوات، لا تعدو كونها مظاهرات إعلامية، تخاطب، أساساً، المواطن في كلا البلدين، لكنها تخفي وراءها، في الوقت ذاته، الكثير من جهود المحادثات الدبلوماسية السرية الجادة التي تتجاوز إطار الملف النووي، وتذهب إلى ما هو أبعد منه، محاولة الوصول إلى فهم ثنائي مشترك بشأن خارطة الشرق الأوسط الجديدة، بما يحقق لطهران الدور المتميز الذي تحاول ممارسته، ويضمن لواشنطن حماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة التي لا تستطيع التفريط فيها. يجري ذلك في ظل غياب واضح للدور العربي من قبل العرب أنفسهم، وتجاهل صريح له من طرف جانبية الإيراني والأمريكي على حد سواء. ينبغي التحذير هنا من الوقوع فريسة سهلة في فخ التسطيح السياسي، الذي يقفز، بناء على ما تقدم، إلى نتيجة تضع إيران، بشكل تلقائي، في سلة المشروع الأمريكي. فالعكس هو الصحيح، إذ تحاول إيران الاستفادة من الوهن الذي تعاني منه المؤسسة الحاكمة الأمريكية، وحاجتها الملحة إلى مكسب سريع يغطي مظاهر ذلك الوهن، كي تنتزع أكبر قدر من المكاسب لصالح مشروعها الشرق أوسطي الذاتي، بتحاشي اصطدامه مع المشروع الأمريكي، أو حتى الأوروبي الغربي، وبتقديم أقل قدر ممكن من التنازلات التي تفرضها موازين القوى العالمية وأهم منه الإقليمية.
هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى العسكري، وإذا ما انطلقنا من فرضية صحيحة، وهي أن إيران تتحاشى قدر المستطاع الانجرار إلى مواجهة عسكرية، فالأمر سيان، وإن اختلفت الأسباب بالنسبة للطرف الأمريكي. فرغم ما نقلته مجلة «Air Force Times» عن وزير سلاح الجو الأمريكي مايكل دونلي في أحد لقاءاته مع كبار المسؤولين في «الكابيتول» من «أن القنبلة الخارقة للتحصينات الأقوى في الولايات المتحدة جاهزة للاستعمال بعد سنوات من التجارب والتطوير»، إلا أن هناك من يشكك في قدرة الأسلحة الأمريكية، على اختراق التحصينات الإيرانية لمفاعلها النووي، بما فيها القنبلة التي تحدث عنها دونلي، والتي تقدر بعض المصادر العسكرية زنتها «بحوالى 13.608 كيلوغرامات، وهي قادرة على اختراق تحصينات بعمق 61 متراً، ويصل طولها إلى 6.2 متر، وفي وسعها حمل أكثر من 2.400 كيلوغرام من المواد المتفجرة».
لذا، ومع تراجع الحل العسكري، في المستقبل المنظور، من برامج الطرفين: واشنطن وطهران، فمن غير المستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار آخر، لم تتوقف عن وضعه على طاولة مشروعاتها، وهو الإيعاز، وربما تشجيع، أحد حلفائها في المنطقة، للإقدام على مثل هذه الخطوة. وفي ظل الظروف القائمة في هذه المنطقة، لن تجد واشنطن أكثر أهلية، ولا أفضل استعداداً من إسرائيل، لتنفيذ هذه المهمة، خاصة، وأن أي من دول المنطقة الأخرى، ليس في وضع ذاتي يمكنها، فيما لو وافقت على القيام بذلك من حيث المبدأ، على التورط في أوحال مستنقع يصعب التكهن بنهايات الخوض فيه. ولعل في تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو يوم 24 أغسطس 2012، أثناء لقائه مع النائب في الكونغرس الأمريكي مايكل روجيرس، في أعقاب بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المعترف بوصول المحادثات مع إيران إلى طريق مسدود، الذي قال فيه «إن طهران رفعت كثافة النشاط المتعلق بتخصيب اليورانيوم. وأن إيران تسعى إلى الحصول على السلاح النووي، وذلك بغض النظر عن مطالب المجتمع الدولي»، بعض المؤشرات التي قد توحي باستعداد تل أبيب لقبول تلك المهمة، رغم المخاطر التي تحف بها