المشكلة التي يواجهها النظام في البحرين بالإضافة إلى الأطياف المخلصة لهذا الوطن أن الطرف الآخر وصل لمستوى متقدم جداً من الكذب، بحيث بات تصديق ما يقوله أو يعبر عنه تحت مسمى “حسن النوايا” ضرباً من الجنون، إذ من يصدق الكاذب غير المغفل؟!أكتب هذا بعد متابعة برنامج حواري في إحدى القنوات، كان طرفه عضو الوفاق “المهاجر” إلى واشنطن مطر مطر، والأخير صناعة أمريكية بامتياز عبر البرامج التي تضم أعداداً من العناصر في بعض الدول التي شهدت موجات من القلاقل والثورات وغيرها، وفي هذه البرامج يتم تدريسهم بشأن كيفية مناهضة الأنظمة وإحداث التغيير، لكن التغيير بالمفهوم الأمريكي.لن أستغرب حجم الكذب الذي ساقه مطر، إذ الجماعة وصلوا لمستوى قد ينكرون فيه كل شيء قاموا به، قد ينكرون أنهم تسيدوا الفوضى في الدوار وأنهم حرضوا الناس، وانهم طالبوا بإسقاط النظام، وأنهم تعنتوا في الحوار.وصلت الوفاق لمرحلة -لولا خوفها من شارعها- لقالت بأنها لم تكن موجودة في الدوار، ولم تنادِ بإسقاط النظام، وأنها بريئة من كل فعل استدعى الدولة لتتخذ إجراءات لإعادة الأمن والاستقرار في البلد.مناضلو الكلام والتنظير عبر الفضائيات والقنوات فقط، بينما في الميدان يلعبون بالناس ويقذفون بهم إلى المواجهات، وبعدها وتحديداً حينما تلوح أدنى فرصة للجلوس مع النظام على طاولة حوار، وتفاوض ينفضون أيديهم بسرعة من الناس ويتركونهم لوحدهم.متحينو الفرص، ومتقلبون في الكلام، وباتوا أبلغ مثال لممارسي الكذب والدجل السياسي.مطر مطر يقول بأن ما يسمى بـ “”ثورة البحرين” هي الثورة السلمية الوحيدة بامتياز بين جميع الثورات”، وكأن المستمعين مغفلون وناقصو عقول، “المنتج الأمريكي” تناسى بأن البحرين أكثر دول العالم تضرراً من استخدام المولوتوف، وأن في عملية الانقلاب “ما يسميه بالثورة” تم قتل رجال الشرطة واستهدافهم، وتم دهس شرطي حتى الموت والفيديو موجود وموثق، وهي مسألة لم تحصل في أي من مصر وتونس اللتين تعتبران أبرز مثالين على ثورات الربيع العربي.يكذبون، لكن ليس بهذا الأسلوب المفضوح الذي يستجلب السخرية، والذي يبين بأن صاحب هذا الكذب ليس إلا جباناً وخائفاً من الاعتراف بما فعله!يمضي من تتكفل واشنطن بإقامته وإعاشته ليقول بأن أكثر من 18 مؤسسة أمريكية أصدرت بيانات تعرب عن قلقها من تراجع مستوى حقوق الإنسان في البحرين وحرية التعبير، في وقت يسافر هو وزملاؤه من دولة إلى أخرى بحرية، وتقيم جمعيته الفعاليات والتجمعات التحريضية، ويقف مرجعهم المعمد من إيران كل جمعة ليدعو الناس للخروج والتصادم مع الدولة وإلى “سحق” رجال الأمن.يأخذون من الأمريكيين ما يريدون فقط، في حين يتجاهلون الأمور الأخرى التي تدينهم وتبين زيف ادعاءاتهم. إن كنا سنسلم بأن ما يقوله الأمريكيون كلام منزه لا جدال فيه، فإن مساعد وزير الخارجية الأمريكي مايكل بوسنر قال في جلسة الاستماع الأخيرة في الكونغرس وبحضور مطر نفسه بأنه لا يمكن تصنيف البحرين ضمن دول ثورات الربيع العربي، فلماذا تغافل هذه النقطة من قبل متحدث الوفاق الذي ساق من الكذب ما شاء الله؟!بل الكذبة الأكبر هو الادعاء بأنهم جاهزون للحوار، وأن الأخ ينتظر مكالمة من سمو ولي العهد تدعوه للحضور والمشاركة. يتعاملون مع الناس وكأن البشر مغفلون، تناسوا بأنهم هم الذين تعنتوا ولم يستجيبوا الدعوة ولي العهد الأولى، ووضعوا الشروط التعجيزية، وركبهم الغرور، واعترتهم الثقة بأن النظام سيسقط لا محالة، وبعد أن تبين خطأ حساباتهم وتوقعاتهم تعنتوا في الحوار الوطني الذي دعا له جلالة الملك وعمدوا لتخريبه والانسحاب منه، لأن الحقيقة التي يحاولون إخفاءها بالكذب الممارس أنهم لا يتقبلون الرأي الآخر، ولا يعترفون ببقية مكونات المجتمع، فالبحرين يجب أن تكون لهم ولا يشاركهم أحد فيها. ألم يقل المعارض السابق صاحب القلم الكاذب بأن “البحرين لهم وأن الباقين عليهم الخروج”، واليوم هو يبكي وينتحب ويطلب الحوار ويدعو للحمة الوطنية؟! أنتم من مزق اللحمة الوطنية، فكيف سوف تعيدون لم شملها؟!كل هذا النواح، وكل هذا الكذب وتزوير الحقائق، والإيغال في التضليل خاصة عندما لا يتوفر رد من الأطراف المقابلة يلجم الكاذب بالصدق والحقائق والدلائل، كل هذه الممارسات هدفها كسب الوقت، وهدفها العودة للمربع الأول، وهدفها بيان “حسن نوايا” زائف، علّ الدولة تقع في نفس الخطأ فتأمن جانب الغدارين والكاذبين.يقول أكثر “ثورة سلمية!” نعم سنصدقك إن كنا مفغلين، وسيصدقك الغرب لو كان مغفلاً أيضاً، والدليل سماء البحرين التي تشتعل كل يوم بالمولوتوف، والإصابات التي طالت أكثر من 700 عنصر من عناصر الأمن، والتي لو كتب للهجمات التي استهدفتهم النجاح التام لكان لدينا أكثر من 100 قتيل، وهو الرقم الذي أشار له متحدث “المنتج الأمريكي” للدلالة على عدد القتلى من الجانبين خلال الأزمة التي كانت “الوفاق” أبرز محركيها.هؤلاء يريدون الحوار اليوم بعد أن رفضوه في السابق، وإن تم الحوار بمشاركتهم فإن النتائج لن تبشر أبداً بالخير، إذا ماذا تتوقعون من حوار أحد أطرافه يمارس الكذب بامتياز، من طرف يكذب على جمهوره ومريديه كل يوم، قبل أن يكذب على مناهضيه وعلى بقية العالم.