تأخذ “المعارضة” على الحكومة قيام رجال الأمن بالتصدي للتجمعات والمسيرات، وترى أنه لولا تصديهم لتلك الفعاليات لانتهت بسلام، وتقول إن المسيرات التي لا يتم مواجهتها تنتهي من دون أية مشكلات، بينما تأخذ الحكومة على “المعارضة” قيامها بتنظيم المسيرات من دون الحصول على ترخيص، وفي أوقات وأماكن غير مناسبة تتسبب في الإضرار بمصالح الآخرين ولا تراعي القانون، وأنها تسعى إلى التركيز على العاصمة التي لا تستوعب مثل هذه الفعاليات وضررها ينال الكثيرين علاوة على تأثيرها السالب على الاقتصاد.
من يأخذ برأي “المعارضة” يقول ببساطة إن الأمور تسير بهدوء عندما لا يتدخل الأمن ولا يتصدى للمسيرات، وبالتالي فإن على الحكومة أن تمنعهم من التدخل فيها من دون حرمانهم من مشاهدتها أو تصويرها. ومن يأخذ برأي الحكومة يقول إن ترك الأمور هكذا يفاقمها ويشعر الآخرين والعالم أنه لا توجد في البلاد سلطة ويشعر السلطة نفسها بالتقصير تجاه من يطالبها بالحماية والأمن وصون الاقتصاد.
«المعارضون” والمتعاطفون معهم يقولون إن الشرطة هم الذين “يعيلون” على المتظاهرين الذين إنما يمارسون حقاً يكفله الدستور والقانون، وإن أي مسيرة لا “يعيل” فيها الشرطة على المتظاهرين تنتهي بسلام، بينما تقول الحكومة وتحديداً وزارة الداخلية إن عدم مراعاة “المعارضة” للقانون الذي تطالب بتطبيقه والخروج في مسيرات غير مرخصة أو التجاوز عن المسموح به لو كانت مرخصة يبيح لرجال الأمن التعامل مع المشاركين فيها حسب القانون، وإنه من غير المعقول ترك الأمور بالكيفية التي تريدها “المعارضة”، فأي سلطة في العالم لا تقبل مثل هذا الوضع وإلا ما عادت سلطة.
في الصدد نفسه، تقول المعارضة إن القانون لا يلزم الحصول على ترخيص لتنظيم مسيرة، وإن كل المطلوب هو إشعار الجهات المسؤولة بذلك. وتقول الداخلية إن القانون نفسه يلزمها حفظ الأمن وحماية المواطنين والمقيمين، والتقليل من الأضرار المتوقعة، وإن مهمتها ليس حماية هؤلاء فقط، ولكن حماية المشاركين في المسيرات أيضاً، وهي تردد دائماً أنه إذا كان الضرر أكبر من النفع فإنها تقترح على مقدمي الإشعار اختيار مكان آخر، ولا تمنعهم إلا إن أصروا على المكان الذي حددوه .السؤال المنطقي هنا هو هل يتصدى رجال الأمن للمسيرات لو كان مرتباً لها وتم التفاهم بشأنها؟ هل يتصدى رجال الأمن لهذه المسيرات إن لم تتجاوز القانون بخروجها عن مسارها أو بممارسة المشاركين فيها أفعالاً مخلة بالأمن؟ الجواب المنطقي هو “لا”، لأنه يفترض أن الشرطة” ما يعيلون، “فدورها هو توفير الأمن والمحافظة عليه وليس خلق المواجهات”. بالمنطق لماذا “تعيل” الشرطة على مسيرة متفق عليها وعلى خط مسارها ولم تخرج عن خطها ولم تتجاوز القانون؟
ما يحدث للأسف هو أن المسيرات المرخصة تتجاوز غالباً لا بتغيير مسارها ولكن برفع شعارات فيها إساءة لرأس الدولة ورموزها، ترى أي دولة في العالم تقبل أن يسيء المتظاهرون لرأس الدولة أو رموزها؟ المناداة بالتسقيط في دولة خليجية تختلف ظروفها عن ظروف الجمهوريات والجماهيريات، لا يمكن القبول بها لأنها تمس عائلة وتمس قبيلة ومجتمع، وبالتالي لا يجد رجال الأمن بداً من التعامل مع رافعي تلك الشعارات بما يتيحه القانون. والأمر نفسه ينطبق على الممارسات المتجاوزة لأعراف المجتمع وعاداته وتقاليده، وكذلك تلك السالبة للأمن كحجز الشوارع وإشعال النار في إطارات السيارات، وترويع المواطنين والمقيمين، بمثل هذه الأفعال وغيرها، كإلقاء المولوتوف على رجال الأمن في أوقات وأماكن يمكن أن تتسبب في أذاهم وأذى الآخرين من مستخدمي الطريق.
ما أعتقده هو أن رجال الأمن لا يمكنهم التعامل مع المسيرات المتفق عليها إن لم يتجاوز المشاركون فيها القانون والنظام، فهم أيضاً مكبلون بالقانون ويحكمهم النظام.