كل ما هو قبل دخول شهر رمضان المبارك، انتهى بيوم العيد، نعم انتهى في يوم العيد، بنظرة هلال مختلف عما قبله، وصوت عصافير تغني ألحانها الجديدة، وابتسامات أطفال جدد، يبدؤون في البحث عن عيادي، ما كانوا يعرفونها من قبل، أو بالأحرى ما كان الأهل يتركونهم لممارسة هذه العادة الرائعة، عادة المرور على الجيران ومباركتهم بيوم العيد.عادات كثيرة، كنت تقوم بها، اجتثت من جذورها، سلوك غير سوي، تمارسه بنزق، أصبح من الماضي البعيد. إذن، نحن اختلفنا عما كنا عليه من قبل. نحن الآن أكثر وعياً بطبيعتنا البشرية، بفطرتنا التي ابتعدت عنا لأننا ابتعدنا، فما تتركه يتركك، وما تمهله يضمحل.قبل رمضان، ربما نكون قد نسينا الجوع، بالركض وراء الوجبات السريعة، ربما نكون في عجلة من أمرنا، فتكاسلنا عن مد يد الرحمة لأمثالنا من البشر، قد يكون جيراننا أو جيران جيراننا. قبلها قد نكون بعيدين عن التعاطف مع المناطق التي تمر بالكوارث، فنحجم عن التنادي لإغاثتها. ما قبل مضى، ولن يرجع إلا إلى من يدور في فلك الأمس، تحت شعار “هكذا أنا.. وهكذا أفعل”. ما بعد العيد هو الأصل، هو المركز الذي علينا أن نركز عليه، منفتحين على أمل، أكثر اتساعاً من قلب السماء، وعلى محبة لا حدود لها.بين بدء رمضان والانتهاء بالعيد، يعني أننا دخلنا مرحلة تهذيب القلوب من الأعشاب الضارة التي استوطنت في غياب المحبة.بمعنى آخر، إن حديقة القلب أصبحت أكثر قدرة على امتصاص الغذاء من جسد التربة، الأرض الأم، والأرض مكان العيش، أكثر قوة لارتشاف الضوء من الشمس والقمر والنجوم، وأكثر إمكانية للتعامل مع المحيط الهوائي المتدفق من سطح الكرة الأرضية.الحديقة الجديدة التي تتطاول وتتسامق الآن في قلوبنا، هي ما يجب علينا الاهتمام به ورعايته كل الرعاية.حاول ألا تذكر حديقة الماضي في أحاديثك. لا تقل إنها كانت مزبلة للأعشاب والديدان والجراثيم. أتركها في ماضيها تمضي.إذا استطعت أن تجعل يومك هو حديقتك، الأمس لم تبق منه إلا ذاكرة، وعادة ما تكون معطوبة ومثقوبة، أنت لا تشتم رائحته، ولا تتذوق لونه، ولا تلمسه لمس اليد، ولا تشعر به مطلقاً. الأمس لا وجود له إلا إذا كنت تترك له العنان لأن يقودك مرة أخرى إلى التهلكة.اجعل كل يوم من أيام حياتك يوماً جديداً، اجعله عيداً، تحتفل فيه مع أهلك وناسك وأصحابك وأحبابك في الكرة الأرضية. وبذلك ستشعر أن العالم وما فوق وتحت العالم لك. تمتع بهذا الفرح الطفولي الذي لن تجده في كتاب أو قاموس أو مخطوطة.