ركبت في سيارة “ميكرو سرفيس” من محطة “سانا” الواقعة بجانب جامعة دمشق متوجهاً إلى المزة، حيث كنت أسكن هناك في عام 2008. جلس حينها بجانبي رجل ملتحي يرتدي سترة سوداء اللون، وبنطلون جينز أسود، وحذاء بنفس اللون من الجلد وبكعب كبير. فتح هاتفه النقال وبعث رسالة وبعدها بقليل استلم رسالة أخرى. وبعد هذا بدأ يتمتم، وكأنما يتحدث مع نفسه، فحاولت أن لا أنتبه إليه، ولكنه توجه حينها لي بجملة يبدو فيها أنه قرر بدء الحديث معي، حيث قال “وجهك كتير مألوف خيو!”، بدأ الحديث معي وبهذا الأسلوب كان جرس إنذار لي. فقلت في نفسي “ربما الرجل ضابط أمن!”.
حينها قلت له محاولاً التحدث باللهجة السورية وبمزح، “إي أنا ممثل سينمائي.. منشان هيك العالم كله بيعرفني!”،
ابتسم الشاب ولكن حاول حينها أن يتكتم ابتسامته، ما أثار الشك عندي أكثر، واستمر في توجيه بعض الأسئلة لي فحاولت أن استمر بالتحدث معه باللهجة السورية، ولكن الرجل كان فطناً جداً، وتوجه حينها لي بسؤال في الصميم، “إذا مش عراقي، أكيد أنت من خوسستان؟! “كان يقصد خوزستان، الاسم الذي أطلقته إيران على قسم من الأحواز المحتلة”.
هنا تبدل الشك عندي بيقين، إنه رجل أمن. منذ بداية الحديث معه حتى التخلص منه زمناً ما يقارب الربع ساعة، حيث محطة “شيخ سعد” التي قررت أن أنزل عندها وأدخل سوقها، حتى لا يعرف هذا الشخص عنوان بيتي، خاصة وأن سوريا منذ عام 2006 حتى 2009 سلمت أكثر من 15 لاجئ سياسي أحوازي إلى دولة إيران، وجميع هؤلاء مسجلين ومعترف بهم كلاجئين من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأمر الذي خلق حالة هيستيريا بين عدد كبير من اللاجئين الأحوازيين المقيمين في الشام.
أجبته، “إي أنا خوسستاني..”، فقال لي، “شو بتشتغل هون؟” قلت له، “جاي زيارة”.. وجاء دوره بسؤال آخر حيث قال، “هونيك عنكن علويين؟ أم شيعة أكتر أم شي تاني؟” فخشيت من التوجه الأمني المشهود في أسئلة هذا الشخص والذي امتزج بالطائفية عبر سؤاله الأخير، قلت له، “إي في كتار محبين للإمام علي بن أبي طالب.. كلنا علويين”. واستطرد قائلاً “نحن إخوان وأنا من الساحل”.. هنا راودني شعور خاص ويبدو لي أن الرجل لا يريد إلحاق الأذى بي. فقلت له، “على راسي والله! أهل الساحل ناس أكابر من اللاذقية إلى طرطوس.. أنا رحت هونيك.. كتير طيبين وكلن بيشربوا مته “المته تعرف بشاي البرازيل ومثلها مثل الشاي الأخضر”، هنا ضحك الرجل بصوت مرتفع وقال “إذن أنت ضيف علينا ومن “إيران” الله يخلي رئيسكن والمرشد ويحفظهن العباس!!”، وأنا بدوري قلت: “آمين!”، ثم واصل حديثه قائلاً “بدي أقول لك: ما تحسب شيء.. أنا نازل بهيدي المحطة وراح أدفع حسابك”، وقد بادلته المجاملة، ولكن دفع الرجل 10 ليرات سورية أجرة “الميكروسرفيس” ونزل.
مما سبق نستنج أن غزو إيران لسوريا لم يتحدد على المستوى الرسمي، وإنما هذا الغزو طال جميع أطياف المجتمع السوري. ونشر في موقع “تابناك” الإيراني تقرير حول العلاقات الإيرانية السورية، ووصف كاتب التقرير هذا النوع من العلاقات بالهجوم الإيراني الكبير على كافة المستويات وشرائح المجتمعين السوري واللبناني، الأمر الذي دفع السفارة الإيرانية في دمشق بالرد على ما نشر في الموقع ذاته في حينها، كما تم مسح التقرير من الموقع خلال ساعات قليله بعد نشره، وكذلك تم مسح رد السفارة.
في العديد من الدوائر الحكومية، إذا دخل إيراني الجنسية في دائرة ما فهو المتقدم على ابن البلد. جاء ذلك عبر تدخل إيران بشكل مباشر في تنصيب بعض قيادات حزب البعث الحاكم في سوريا، وفي نفس السياق دعمت سفارة الدولة الفارسية في الشام عدة مرشحين برلمانيين، ودخل البعض من هؤلاء إلى مجلس الشعب السوري، بغية التدخل الإيراني غير المباشر، وعلى أيادي سورية تعمل لصالح الدولة الفارسية في سوريا.
أتذكر حيث كان عدد من الإيرانيين التجار قرروا شراء قطعة أرض في دمشق لغاية غير معروفة، فواجهوا حينها مشاكل كبيرة على المستوى القانوني، ولم تستطيع أي دائرة حقوقية أن تسجل لهم عقد شراء قطعة أرض، لأنهم أجانب، وحسب القانون السوري لا يجوز للأجنبي أن يمتلك أرضاً في سوريا، وإنما يستطيع إيجارها فقط، ولكن “أزلام” إيران في حزب “البعث” السوري رفعوا جميع الموانع القانونية، أمام هؤلاء الإيرانيين الأجانب. وتمت كتابة عقد شراء قطعة أرض باسم هؤلاء الإيرانيين في قصر العدل، وتكللت عملية تمليكهم قطعة أرض في دمشق بنجاح، حيث أبهر هذا النجاح الكبير سفير إيران في سوريا “حسب معلومات خاصة”.
لهذا نرى طهران تدفع اليوم بكل ما لديها من قوة حتى تحافظ على ما جنته المخابرات الإيرانية خلال الـ 30 عاماً الماضية في كل من سوريا ولبنان. ويبقى السؤال، لماذا تدفع طهران كل هذا، في حين أن الشعب الإيراني يعاني الجوع والحرمان والتنكيل؟
الجواب إن ما تطمح إليه طهران ليس حلم البارحة، ولا قرار اتخذ مع انطلاق الثورة في 1979، وإنما تسعى طهران ومنذ عهد ما قبل الثورة أن توسع حدودها “في الحد الأدنى عبر علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وعقائدية” من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، ويمكن تفسير سعي “الدولة الفارسية” للحصول على السلاح النووي في هذا الإطار أيضاً. إيران تطمح بالسلطان والولاية النووية من الخليج العربي حتى البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما وصف مسبقاً تحت عنوان “الهلال الشيعي” وأنا أقول إن الشيعة براء من مخططات إيران، حيث ما هذا إلا “هلال فارسي”، وتصدى له اليوم الشعب السوري، حيث نراه يصارع الهبوط، ومن المؤكد أن هذا الهلال لن يضيء بعد انتصار الثورة في سوريا، كما يضيء القمر العربي، والذي طل هلاله من تونس حيث يكتمل رويداً رويداً
{{ article.visit_count }}
حينها قلت له محاولاً التحدث باللهجة السورية وبمزح، “إي أنا ممثل سينمائي.. منشان هيك العالم كله بيعرفني!”،
ابتسم الشاب ولكن حاول حينها أن يتكتم ابتسامته، ما أثار الشك عندي أكثر، واستمر في توجيه بعض الأسئلة لي فحاولت أن استمر بالتحدث معه باللهجة السورية، ولكن الرجل كان فطناً جداً، وتوجه حينها لي بسؤال في الصميم، “إذا مش عراقي، أكيد أنت من خوسستان؟! “كان يقصد خوزستان، الاسم الذي أطلقته إيران على قسم من الأحواز المحتلة”.
هنا تبدل الشك عندي بيقين، إنه رجل أمن. منذ بداية الحديث معه حتى التخلص منه زمناً ما يقارب الربع ساعة، حيث محطة “شيخ سعد” التي قررت أن أنزل عندها وأدخل سوقها، حتى لا يعرف هذا الشخص عنوان بيتي، خاصة وأن سوريا منذ عام 2006 حتى 2009 سلمت أكثر من 15 لاجئ سياسي أحوازي إلى دولة إيران، وجميع هؤلاء مسجلين ومعترف بهم كلاجئين من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأمر الذي خلق حالة هيستيريا بين عدد كبير من اللاجئين الأحوازيين المقيمين في الشام.
أجبته، “إي أنا خوسستاني..”، فقال لي، “شو بتشتغل هون؟” قلت له، “جاي زيارة”.. وجاء دوره بسؤال آخر حيث قال، “هونيك عنكن علويين؟ أم شيعة أكتر أم شي تاني؟” فخشيت من التوجه الأمني المشهود في أسئلة هذا الشخص والذي امتزج بالطائفية عبر سؤاله الأخير، قلت له، “إي في كتار محبين للإمام علي بن أبي طالب.. كلنا علويين”. واستطرد قائلاً “نحن إخوان وأنا من الساحل”.. هنا راودني شعور خاص ويبدو لي أن الرجل لا يريد إلحاق الأذى بي. فقلت له، “على راسي والله! أهل الساحل ناس أكابر من اللاذقية إلى طرطوس.. أنا رحت هونيك.. كتير طيبين وكلن بيشربوا مته “المته تعرف بشاي البرازيل ومثلها مثل الشاي الأخضر”، هنا ضحك الرجل بصوت مرتفع وقال “إذن أنت ضيف علينا ومن “إيران” الله يخلي رئيسكن والمرشد ويحفظهن العباس!!”، وأنا بدوري قلت: “آمين!”، ثم واصل حديثه قائلاً “بدي أقول لك: ما تحسب شيء.. أنا نازل بهيدي المحطة وراح أدفع حسابك”، وقد بادلته المجاملة، ولكن دفع الرجل 10 ليرات سورية أجرة “الميكروسرفيس” ونزل.
مما سبق نستنج أن غزو إيران لسوريا لم يتحدد على المستوى الرسمي، وإنما هذا الغزو طال جميع أطياف المجتمع السوري. ونشر في موقع “تابناك” الإيراني تقرير حول العلاقات الإيرانية السورية، ووصف كاتب التقرير هذا النوع من العلاقات بالهجوم الإيراني الكبير على كافة المستويات وشرائح المجتمعين السوري واللبناني، الأمر الذي دفع السفارة الإيرانية في دمشق بالرد على ما نشر في الموقع ذاته في حينها، كما تم مسح التقرير من الموقع خلال ساعات قليله بعد نشره، وكذلك تم مسح رد السفارة.
في العديد من الدوائر الحكومية، إذا دخل إيراني الجنسية في دائرة ما فهو المتقدم على ابن البلد. جاء ذلك عبر تدخل إيران بشكل مباشر في تنصيب بعض قيادات حزب البعث الحاكم في سوريا، وفي نفس السياق دعمت سفارة الدولة الفارسية في الشام عدة مرشحين برلمانيين، ودخل البعض من هؤلاء إلى مجلس الشعب السوري، بغية التدخل الإيراني غير المباشر، وعلى أيادي سورية تعمل لصالح الدولة الفارسية في سوريا.
أتذكر حيث كان عدد من الإيرانيين التجار قرروا شراء قطعة أرض في دمشق لغاية غير معروفة، فواجهوا حينها مشاكل كبيرة على المستوى القانوني، ولم تستطيع أي دائرة حقوقية أن تسجل لهم عقد شراء قطعة أرض، لأنهم أجانب، وحسب القانون السوري لا يجوز للأجنبي أن يمتلك أرضاً في سوريا، وإنما يستطيع إيجارها فقط، ولكن “أزلام” إيران في حزب “البعث” السوري رفعوا جميع الموانع القانونية، أمام هؤلاء الإيرانيين الأجانب. وتمت كتابة عقد شراء قطعة أرض باسم هؤلاء الإيرانيين في قصر العدل، وتكللت عملية تمليكهم قطعة أرض في دمشق بنجاح، حيث أبهر هذا النجاح الكبير سفير إيران في سوريا “حسب معلومات خاصة”.
لهذا نرى طهران تدفع اليوم بكل ما لديها من قوة حتى تحافظ على ما جنته المخابرات الإيرانية خلال الـ 30 عاماً الماضية في كل من سوريا ولبنان. ويبقى السؤال، لماذا تدفع طهران كل هذا، في حين أن الشعب الإيراني يعاني الجوع والحرمان والتنكيل؟
الجواب إن ما تطمح إليه طهران ليس حلم البارحة، ولا قرار اتخذ مع انطلاق الثورة في 1979، وإنما تسعى طهران ومنذ عهد ما قبل الثورة أن توسع حدودها “في الحد الأدنى عبر علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وعقائدية” من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، ويمكن تفسير سعي “الدولة الفارسية” للحصول على السلاح النووي في هذا الإطار أيضاً. إيران تطمح بالسلطان والولاية النووية من الخليج العربي حتى البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما وصف مسبقاً تحت عنوان “الهلال الشيعي” وأنا أقول إن الشيعة براء من مخططات إيران، حيث ما هذا إلا “هلال فارسي”، وتصدى له اليوم الشعب السوري، حيث نراه يصارع الهبوط، ومن المؤكد أن هذا الهلال لن يضيء بعد انتصار الثورة في سوريا، كما يضيء القمر العربي، والذي طل هلاله من تونس حيث يكتمل رويداً رويداً