لفت نظري مؤخراً الحملة الدعائية لمبادرتين شعبيتين هامتين، الأولى يقودها الأستاذ خالد الخياط وهي مزاد “ملحف الخير” عبر تغريداته في “تويتر”، وعنوان الحملة في حد ذاته كان ملفتاً في شعبيته وإبهامه “ملحف الخير”!! خصوصاً مع ارتباط الحملة بجمع التبرعات لصالح مرضى السرطان، والثانية يقودها مجموعة من شباب جمعية تجمع “الوحدة الوطنية” بعنوان “الحملة الوطنية لمناهضة العنف” التي تنطلق في وقت اشتد ضيق الناس فيه من تصاعد عنف قوى التأزيم، إلى مرحلة إرهاب الناس في الشوارع، الحملتان قد تبدوان بسيطتين في عموميتهما، ولكن بمجرد أن تتعرف على التفاصيل تكتشف أنك أمام مبادرتين يمكن أن تتحولا إلى نواة لمشروع أو مشاريع عديدة وكبيرة.
قصة مشروع “ملحف الخير” باختصار هي قصة صراع امرأة بحرينية مع مرض السرطان الذي هاجمها مرتين، انتصرت عليه في الجولة الأولى حين هاجمها في شكل ورم في المبايض، ومازالت تقاومه حين عاد إليها ثانية في القولون، واستعانت المرأة الصابرة على تحمل آلامها بحياكة غطاء سرير “ملحف” نذرت ريعه للمشاريع الخيرية، ومنها انطلقت مبادرة الأستاذ خالد الخياط ببيعه في مزاد وتخصيص ريعه لعلاج مرضى السرطان البحرينيين غير القادرين على تحمل نفقات العلاج الباهظة.
والأمر الذي يبعث على السرور هو تجاوب أطراف بحرينية عديدة مع الحملة، سواء كانوا أفراداً أو ومؤسسات مالية، من بنوك ومصارف أو شخصيات عامة وفنية، مما يدل على إيجابية المجتمع البحريني وتجاوبه مع المبادرات الفردية لأبناء المجتمع، وقيمة مبادرة “ملحف الخير” الحقيقية أنها تصب في العمل الأهلي، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ونشاط جمعيات النفع العام، التي يدل مستوى نشاطها وتفاعلها مع احتياجات المواطنين على تقدم وعي المجتمع وتطور أنشطته وقدرته على تنظيم نفسه خارج رعاية الدولة.
ومبادرة “ملحف الخير” مبادرة تستحق الاهتمام وتسليط الضوء عليها وتطويرها لتصبح نواة لمشروع “مركز البحرين لمعالجة الأورام السرطانية”، فنشاط الحملة يجب ألا يتوقف بمجرد بيع “الملحف”، والوضع الصحي والنفسي لمرضى السرطان من القضايا التي تستحق أن تجد من يتبناها في البحرين، ففي معظم الدول العربية ودول العالم تؤسس جمعيات أهلية خاصة لدعم مرضى السرطان والسكري والإيدز، وغيرها من الأمراض، مادياً ونفسياً، وتؤسس وحدات صحية أو مراكز علاج خاصة بهذه الأمراض بمبادرات شعبية.
الحملة الثانية وهي “الحملة الوطنية لمناهضة العنف” التي استلهمت فكرتها من ذكرى شهيد إماطة الأذى عن طريق المسلمين الشاب “أحمد الظفيري” الذي أصيب بحروق شديدة أودت بحياته في صباح يوم جمعة نتيجة انفجار عبوة متفجرة مزروعة في بقايا الإطارات المحترقة، التي حاول إبعادها عن الطريق، الشاب أحمد الظفيري رحمه الله لم يكن ناشطاً سياسياً، ولم يكن رجل أمن يقاوم مجموعة من المخربين، لقد كان “أحدنا”، نحن الذين نسير في الطرقات لقضاء حوائجنا، ونمشي في الشوارع لممارسة أمور حياتنا العامة والخاصة، ولا علاقة لنا بصراع القوى، ولا ناقة لنا ولا جمل في حرب النيران التي تجتاح شوارعنا، والتي قد يقضى أحدنا نحبه نتيجة “خطأ” متعمد مدروس لا تخرج عنه أهداف زرع الإطارات المحترقة بمواد متفجرة ورمي المولوتوفات على الناس عامة، وعلى رجال الأمن خاصة.
في المرحلة الأولى، ستقيم الحملة مرسماً مفتوحاً في مساء يوم السادس من شهر سبتمبر الجاري، وباب المشاركة مفتوح لجميع المواطنين والمقيمين من مختلف الفئات العمرية، والاستمارة الإلكترونية الخاصة بالمشاركة موجودة على حساب التواصل الاجتماعي “تويتر” الخاص بالحملة وبالقائمين عليها، ولا أعرف بعد ماهي فعاليات الحملة القادمة؟
وتكتسب هذه الحملة أهميتها في أنها تخلد ذكرى أحد المدنيين الذين قتلوا ظلماً وعدواناً، فيما تطلق عليه قوى التأزيم “الحراك السلمي الذي أبهر العالم”، وقيمة فعالية المرسم أنه سيشرك عامة الناس من مختلف الأعمار في عملية تعبير المجتمع عن موقفه ورؤيته ووجهة نظره لما يجري في الشارع، وسيطرح معاناة الناس أثناء الخروج في الطرقات، الذي أصبح يحمل معنى من معاني الخوف لم نشعر به سابقاً في بحريننا المسالمة.
الحملة تستحق المشاركة والمساندة، فهي تصب كذلك في الحراك الشعبي الفاعل، وتدل على إيجابية المجتمع تجاه قضاياه، وكانت الأستاذة سوسن الشاعر قد كتبت في مقالها “ضحايا الإرهاب في جنيف” عن أهمية مشاركة عوائل ضحايا الإرهاب “أحمد الظفيري، وزهرة صالح، والمريسي، وكاشف منظور...” في مؤتمر جنيف لحقوق الإنسان ليعرضوا محنتهم ومعاناتهم، وكنت قد كتبت قبل أشهر مقالاً بعنوان “فلنؤسس جمعية أحمد الظفيري وإخوانه”، اقترحت فيه تشكيل جمعية بهذا الاسم تكون مُمَثلة لضحايا الإرهاب في الفعاليات الدولية، وتكون صوتاً حقيقياً للفئات الشعبية التي تعاني وتتضرر من سلوك من يعتبرون أنفسهم يمثلون البحرين في المنظمات الدولية، وأرى أن “الحملة الوطنية لمناهضة العنف” جاءت في نفس الاتجاه، وبالإمكان أن تتطور حركة الحملة وتصير نواة لمشروع حقوقي يتابع ملف المتضررين من الإرهاب قضائياً، ويعرض، في المحافل الدولية، قضية البحرينيين العادلة تجاه الإرهاب الذي نعانيه منذ قرابة الثلاث عقود، وتأبى العصابات المتزعمة له من رفع راية السلام البيضاء.
المبادرات الشعبية البحرينية يجب أن تزداد وتنشط في مجتمعنا، فـليس مرضى السرطان، ولا ضحايا الإرهاب في البحرين وحدهم الذين يحتاجون إلى الدعم والمساندة وإلى المبادرات الأهلية والشعبية، فهناك الكثير ممن يعانون بصمت ولا نسمع أنينهم، وهناك الكثير من القضايا التي تستحق تسليط الضوء عليها وتحريك ملفاتها إعلامياً واجتماعياً، وأعرف جيداً أن في البحرين الكثير من الجمعيات التي تدعم فئات كثيرة في المجتمع مثل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، والصم والبكم ومرضى الإيدز، وضحايا العنف الأسري، ولكن ربما لم تتمكن هذه المؤسسات من الخروج بأنشطتها خارج مقراتها، ولم تقو علاقتها بأفراد المجتمع غير المنتمي إليها.
إن انطلاق هذه المبادرات وتفعيل أنشطة المؤسسات الأهلية ليس عملاً دعائياً لأهدافها فحسب، بل هو تثقيف للمجتمع وتوعيته بمشكلاته ومكوناته، وقد أشارت تحليلات عديدة إلى أن المجتمعات العربية لا تعرف نفسها، فهي لا تعرف، ما يكفي، عن مكوناتها الاجتماعية ولا خصائص كل مكون وهمومه ومشكلاته، وآلامه وآماله وطموحاته، وهذا ما يؤدي في نظر تلك التحليلات، إلى ضعف التواصل والتفاهم المجتمعي، وإلى رخاوة الحالة التنظيمية لمجتمعاتنا وعجزنا عن صياغة أهدافنا الحقيقية ومن ثم تحقيقها.
نشكر كل من يقوم بإخراج هذه المبادرات إلى العلن، ويسهم في تطوير حركة المجتمع وتفاعله، ونشكر القائمين على مبادرتي “ملحف الخير” و«الحملة الوطنية لمناهضة العنف”، وندعو الجميع للمشاركة في فعاليات هذه المبادرتين، ونتمنى من القائمين عليها أن يعملوا على تطوير أنشطة المبادرتين وتحويلهما إلى مشروعين كبيرين، وندعو الله للجميع بالتوفيق.