كان سبتمبر بلا شك شهر الدبلوماسية البحرينية الخارجية بامتياز، فقبل فوز سعيد الفيحاني بالإجماع بمقعد في اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان، اعتمد تقرير مملكة البحرين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، والذي اعتبر إنجازاً وطنياً مشرفاً للمملكة، ودليلاً على تأييد المجتمع الدولي لخطواتها الإصلاحية وثقته في إجراءاتها وتعهداتها لحماية حقوق الإنسان. الحدثان بلا شك دلالة على اعتراف العالم بسير البحرين في الاتجاه الصحيح، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، رغم وجود تحفظات أو دعوات من بعض الدول لمزيد من الإصلاحات، الأمر الذي لا يقلل من حجم الإنجاز، لكنه يدعونا إلى مزيد من المراجعات والعمل على تلافي النواقص والهفوات وحتى السلبيات والأخطاء التي هي موجودة ولا شك، بل إن رقابة المنظمات الدولية لتنفيذ توصيات بسيوني، بحسب تعهدات جنيف الأخيرة، والتي هلل لها البعض وخشاها الآخر، أجدها نقطة تحسب للدبلوماسية البحرينية؛ إذ إنها تعكس للعالم مدى جدية البحرين في الالتزام بتعهداتها، كما تحمِّل مختلف الأطراف مسؤولياتهم الوطنية كاملة في هذه المرحلة التي تزداد حساسية من وقت لآخر. فلا مجال لأحد أن يتباطأ أو يتلكأ في تنفيذ تلك التوصيات، وبالتالي لا تستطيع المعارضة وقوى التأزيم أن تلعب على هذا الوتر الأخير الذي تعزف عليه أينما ذهبت وفي كل خطاباتها الداخلية والخارجية، متهمة الدولة بعدم جديتها في تنفيذ تلك توصيات. الغريب فعلاً والمستنكر أن تأتي تلك الاتهامات رغم أن المأزمين لم يستجيبوا لأي مبادرة أو يقوموا بأي خطوة لجهة الصلح والسعي للتهدئة، أولها وأهمها وقف عمليات التخريب في الشوارع والتحريض باستخدام مختلف الوسائل!! لكننا حين نتحدث عن التحريض تحديداً، وخصوصاً فيما يتعلق برفض مساعي التهدئة، يجب أن نتوجه بحديثنا لشخصيات وجهات محسوبة على كل الأطراف امتهنت صب الزيت على نار الأزمة منذ انطلاقة شرارتها ومازالت!! نعود إلى الدبلوماسية البحرينية الخارجية وما شهدته من نشاط وعمل دؤوب في الفترة الماضية، لنجد حقيقة واضحة أن وراء كل ذلك العمل جهوداً وافرة بذلها عراب الدبلوماسية البحرينية بكل اقتدار، وزير خارجيتنا الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي تابعناه متنقلاً بين عواصم العالم، فمن سيول إلى جنيف ومنها إلى نيويورك، حيث شارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 67، ولم تهدأ تحركاته المكوكية هناك لترسيخ حضور البحرين على المستوى الدولي، لاسيما في مثل هذه الأوقات الحساسة. فمن لقاء مع مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط اليزابيث جونز لاستعراض ردود مملكة البحرين على توصيات المراجعة الدورية الشاملة، وما تضمنته من توجهات إيجابية للتعاون مع مجلس حقوق الإنسان، إلى المشاركة في الاجتماعات الوزارية لدول مجلس التعاون واجتماعات الجامعة العربية للتشاور والتنسيق في أهم القضايا المطروحة التي عقدت على هامش اجتماعات الجمعية العامة، ثم تابعناه يوقع مذكرة تفاهم مع جمهورية جورجيا ويستعرض الاهتمامات المشتركة مع نظيره الهندوراسي، ويبحث التطورات الراهنة مع وزير خارجية سنغافورة، ويجري اجتماعات للتعاون مع رابطة دول الآسيان ويستعرض مع نظيره الكندي القضايا المستجدة وغيرها الكثير. من المهم فعلاً الانتباه إلى أهمية تلك التحركات الدبلوماسية على المستوى الدولي؛ إذ هي تعكس وتؤكد أن مكانة البحرين الدولية في العالم مصانة لم تتأثر ولم تتزعزع من كل المحاولات الحثيثة التي سعت إلى تشويه صورتها ومنجزاتها التي تراكمت منذ أن أصبحت البحرين عضواً في منظمة الأمم المتحدة عام 1971، خاصة مع ما خطته الدبلوماسية البحرينية منذ نشأتها من نهج وسطي قائم على احترام الأعراف الدولية وخصوصية الدول الصديقة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مع إتقانها بحرفية لفن التفاوض وإدارة التواصل مع الدول بما تقتضيه أصول الدبلوماسية الرصينة. إذاً، فالبحرين اليوم تجني ثمار تاريخ طويل من العمل الدبلوماسي المتزن والمعتدل، وما كل تلك الاتفاقيات واللقاءات التي عقدها وزير الخارجية مع كيانات اقتصادية وسياسية ودول كبرى أبدت دعمها لموقف وخطوات البحرين إلا دليلاً على نجاحها على المستوى الرسمي والدولي دون شك. ^ شريط إخباري.. البحرين بحاجة إلى أن تلتفت إلى باب لم تكن تعره الاهتمام الكافي، وهو دور المنظمات الأهلية الوطنية في دعم الدور الرسمي على المستوى الدولي، كما حدث في جنيف مؤخراً، إذ لا بد من تقوية هذه المؤسسات الأهلية وفتح المجال لها كي تكوِّن ارتباطات وتعاونات مع المنظمات العالمية المماثلة وتسهِّل عملها وإعطاءه دفعات حقيقية من خلال تمكينها من القيام بعملها بشفافية ومصداقية دون عرقلة أدوارها، لأن وجودها إذا ما اكتسب المصداقية الدولية سيكون أكبر داعم ومؤيد للدولة وسيقطع الطريق على قوى التأزيم أن تنفرد بلعب هذه الدور وتتعاون مع بعض المنظمات التي لها أدوار وأجندات مشبوهة في المنطقة وليس في البحرين فقط، فتظهر للعالم وكأنها هي وحدها من تمثل الجانب الأهلي وتعكس مواقفه ووجهة نظره!! ونتمنى أن لا يكون الدور الأهلي الذي شهدناه في جنيف فزعة تنتهي بانتهاء المناسبة.