جميع الخيارات أمام سوريا تبدو مخيفة، بل ومرعبة في بعض أوجهها، خصوصاً بعد الدخول إلى مرحلة المجازر الدموية على طريقة البوسنة والهرسك، وبالأخص بعد تصاعد وتيرة الصراع الطائفي للمعركة، سواء من قبل النظام أو من قبل بعض الفئات من معارضيه، هذه الخيارات أحلاها مر:

- الاستمرار في الوضع الراهن مع تزايد وتيرة المجازر والقتل والقتل المضاد بالتزامن مع التدخلات الإقليمية والدولية التي جعلت من سوريا ساحة للصراع، بعد أن كانت رقماً مهماً من الأرقام الفاعلة في المنطقة وخياراتها، وهذا سوف يعني المزيد من القتل والدماء، وهو خيار يبدو أنه مرغوب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالدرجة الأولى، لأنه سوف يؤدي في النهاية إلى إنهاك الدولة السورية والمجتمع السوري وتفكيك الأوصال الاجتماعية وإضعاف الروح الوطنية والهوية العربية، لتكون سوريا عراقاً ثانياً، سوريا الطوائف والممالك الطائفية.

- تقسيم البلاد على أساس طائفي - عرقي ومذهبي مثلما تشير إلى ذلك بعض الدوائر التي تعتبر أن هذا الخيار هو الأفضل، بحيث يخدم إسرائيل والوضع اللبناني المفكك (فيصبح الحال من بعضه)، وتشير بعض التقارير إلى أن السلطة في سوريا وإن مازالت حالياً محافظة على الوحدة الجغرافية والسياسية للبلاد، فإن بعض أركانها قد يكونون وضعوا -من ضمن الخيارات الدراماتيكية- في حالة التقسيم إنشاء دويلة علوية على الساحل، حماية لمصالح الطائفية العلوية في النهاية.

- التدخل الأجنبي العسكري على الطريقة الليبية وهو وإن كان مستبعداً لفقدان الإرادة والمصلحة والقدرة وارتفاع التكلفة في ظل الموقفين الروسي والصيني وتعطيل أي قرار دولي يشرعن هذا التدخل وفي ظل صمود السلطة في سوريا ومحافظة المؤسسة العسكرية على ارتباطها والتزامها بالدفاع عن النظام.

قد يقول قائل إن هنالك خياراً آخر مهماً وممكناً وهو الوفاق الوطني السوري والمصالحة الوطنية والتوجه نحو الإصلاح السياسي، بما في ذلك إمكانية الاتجاه إلى نوع من الخيار اليمني، وهذا في الحقيقة الحل الأكثر أماناً لسوريا النظام ولسوريا الشعب، إلا أنه يبدو بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلاً لاعتبارات دولية وإقليمية، تدخل فيها حسابات إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الإرادة السورية (الرسمية والمعارضة). هذا الوضع الإقليمي والدولي الذي يحول دون الوصول إلى حل تستقر سوريا عليه، فالنظام يبدو وكأنه باق والحل الوحيد الممكن لتفتيت صموده هو التخريب الشامل والتحطيم المعنوي لنفسية الموالين شعبيا وعسكريا وفي الجهاز الأمني الحامي للنظام.. ويبدو أن الغرب والأمريكان وحتى العرب الذين تحمسوا في البداية للتغيير في سوريا قد باتوا مستعدين لتقبل الواقع السوري المحمي روسياً بشكل عنيد ومستميت- وهكذا هي طبيعة السياسة- خصوصاً بعد أن أقفلت في وجوههم الخيارات الأخرى بفعل عوامل دولية وإقليمية يكلِّـف تجاوزها خسائر أكبر من الأرباح التي يتوقعونها. فصمود الإدارة السورية وتماسك الجيش والأمن، جعلت للدعم الإيراني والروسي ثقلاً فاعلاً على الأرض، ولذلك اختار الأميركيون “الالتفاف” لا التراجع في سورية، لأنه ليس بوسعهم حيلة، خصوصاً في ظل المخاطر المرتفعة لأي تدخل عسكري غربي. فالتمسك الروسي بسوريا أصبح له وجه يتعامل مع الوضع في سوريا كما يتعامل مع الوضع الداخلي الروسي، وفي سبيل تأكيد جديتهم فرض الروس حماية بحرية على الشواطئ المتوسطية وزادوا من تدفق الأسلحة الهجومية، ويفعل الإيرانيون نفس الفعل ويتحدثون بنفس اللغة وبنفس المنطق ضمن لعبة الاستقطاب الجديدة. فالرسالة الإيرانية التي تسلمها أردوغان من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي أثناء اجتماعهما في إيران كان فحواها حاسماً: إن تدخل الأمريكان في سوريا سنقاتل مع السوريين كما لو كنا نقاتل دفاعاً عن طهران!

وإذن، يتعامل الروس اليوم في عهد بوتين ولافروف وكأنهم في يالطا جديدة، يدفعهم استعادة الكرامة المهدورة إلى بذل كل جهد للدفاع عن مواقعهم فثني سوريا والحفاظ على الحلف مع السوريين والإيرانيين في مواجهة الأمريكان المنكفئين في عهد أوباما، ويتعامل الإيرانيون في سوريا على أن معركة دمشق هذه معركة طهران، وكذا يفعل الآخرون بما حوَّل سوريا إلى مجرد ساحة لعب، ويدفع الشعب السوري دمه في الأثناء دون أي أفق للخروج من الورطة.