ربما ولسرعة عجلة الحياة اليوم، نجد أن غالبية المجتمعات البشرية الحديثة تتحرك بموازاة السرعة الفائقة التي تفرضها إيقاعات الحياة، وبما أن السرعة عنوان العالم الجديد، نجد أن كل شيء في عالمنا بات باهتاً، دون طعم ولا رائحة. فَرَضَت علينا السرعة الآن، أن نختار الأغنية السريعة، والوجبات السريعة، والربح السريع، واختيار الطريق السريع، وربما الزوجة السريعة، وقديما قيل “ما جاء سريعاً يذهب سريعاً”.
الوجبة السريعة تجلب لك مرضاً أسرع من سرعة تجهيزه، والأغنية السريعة لا يمكن أن تسمعها إلا لمرة واحدة، أو ربما لا ترغب أصلاً في سماعها، أما حين تسلك طريقاً سريعاً للوصول إلى غايتك فإنك تُصدَم بأن كل الناس تسلك ذات الطريق، فتجد نفسك في أسوأ الطرق ازدحاماً. الزوجة السريعة تخلِّف طلاقاً أسرع، لأن العلاقات البشرية ليس كالوجبات السريعة، بل هي أرقى أنواع الحالات الإنسانية، لكنْ، لأن “رتم” الحياة بات سريعاً، فلا بد حينها من أن نتجاوب مع هذه السرعة حتى في اختيار شريك الحياة!!.
إن أخطر أنواع الاتجاهات السريعة، هو السعي الحثيث للربح السريع على الصعيد المادي، فالفرد في عالمنا لم يعد قنوعاً بما رزقه الله، ولا يفكر إطلاقاً في شرعية رزقه، لا من الناحية الدينية ولا من الناحية الأخلاقية، ولا من الناحية القانونية. ولهذا تجد كل الناس اليوم، تغض النظر عن المفاهيم القيمية والمبادئ العليا، في كسبها المال، وذلك من أجل أن تكسب أكبر قدر من الثروة، في أقل وقت من الزمن، وبأقل مجهود من البدن.
كل إنسان مجبول على حب الثراء والجمع (ألهاكم التكاثر)، وكل واحد منَّا ينشد الكسب السريع، لأنه فُطِرَ على العجلة (خُلق الإنسان من عجل)، ومن هنا يأتي دور الوازع القيمي، في إحداث التوازن المطلوب بين الغريزة وبين والأخلاق، وهذا التوازن لا يمكن للإنسان العجول، أن يدركه أو أن يشعر به، لأن السرعة في طلب الربحية والراحة تطغى على كل القوانين الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية والدينية.
إن أسلوب الحياة الحديثة، خلق إرباكاً وتشوّهاً عظيماً في مفاهيمنا وقيمنا الإنسانية، فلم نعد لفرط سرعته أن نميز الرزق الطيب من الخبيث ، فكل يريد أن يعيش حالة من الرفاهية والبذخ بأية صورة كانت، ولو على حساب غيره من الناس. فالفرد في عالمنا المعاصر أصبح ترساً غبياً في آلة الحضارة المادية القاسية، فلا يملك أن يكون حراً خارج تلك الآلة، ولا يستطيع أن يستجيب لمبادئه وقيمه، فكل ما يستطيع فعله، هو أن يذوب في قالب القساوة الحديثة، وأن يكون رقماً مادياً كبيراً، كغيره من أصحاب الثراء الفاحش، الذين كسبوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة، سواء عبر تبيض الأموال، أو من خلال ممارسات لا تقبلها الأخلاق.
في البحرين، لدينا اليوم الكثير من المحتالين والمتحايلين على الناس، من الذين يريدون أن يكونوا أغنياء من دون تعفف أو ورع، فمجتمعنا البحريني البسيط، أصبح مليئاً من هذه النماذج السيئة، أما الشخص الذي يقنع بما رزقه الله، فإنه كالكبريت الأحمر في عصرنا هذا.
اليوم تحديداً، تضج المحاكم البحرينية ضجيجاً بالقضايا التي تتعلق بالتحايل والنصب والقضايا المالية والجرائم الاقتصادية، فهناك دائن ومديون، أما أصحاب الشيكات المُرَجَّعَة فقضاياهم أكثر وأكبر من أن تُحصى وتعدّ.
هذا يبيعك أوهاماً، وذاك يبيعك بضاعة فاسدة، وآخر يتحايل على الله والقانون، ولا يمكنك أن تفعل حيالهم أي شيء، إلا أن تشكو أمرك لله تعالى، أما من أخذ أموال بعضهم من أجل مضاعفة أرباحهم، فنجدهم متوارين عن الأنظار، وبعضهم هرب من الوطن، وبعد كل هذه السرقات والمآسي، وبينما الناس في ورطاتهم، يأتيك أحدهم من بعيد ليقول لك إن القانون لا يحمي المغفلين، ونحن نقول إن القانون جاء ليحميهم ويحمي كل فرد ضاع حقه، ولو عن طريق غفلته وسذاجته.
ربما يفوت وينجو جامع المال الحرام من حكومة البشر، لكنه يقيناً لن يفلت من حكومة الله يوم القيامة.