«الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق” الإمام علي بن أبي طالب
???
وحدها النظرة التاريخية في بعدها الإنساني، لا في نسخها الأكثر عزلة، يمكنها أن تعيد الاعتبار لعالم التضامن والتآخي والتعاون بين الشعوب، بين بني البشر في لحظة تجردهم من الطوائف والعقائد الدينية والسياسية إلا ما هو إنساني منها، ووحدها هذه النظرة يمكنها أن توصل الفكر الإسلامي والمسلمين إلى مواجهة تحديات الحداثة والعصر باستثمار العلاقات الكونية الجديدة والمتاحة أمامهم اليوم لتحقيق النهضة المتعثرة لأكثر من قرنين، والقبول بالإنجازات التحررية الحداثية بعيداً عن الاستمرار في تضخيم الخيال المتعلق بالاحتماء بالذاكرة بديلاً عن الواقع الجديد، وبالعزلة والانكفاء على الذات، واعتبار الإسلام أيديولوجية قتال دائمة ضد الأعداء (التاريخيين والدينيين) على نمط ثقافة بن لادن والظواهري أو على نمط ثقافة المبشرين بولاية الفقيه الدولية مستجلبين ذاكرة الحروب والشهادة لمواجهة شركائهم في الوطن أو في الإنسانية بالويل والثبور، لأن هذه المنظومة إذا تم تشغيلها تفضي حتماً إلى استحضار الحروب الطاحنة وبناء العداوات بلا نهاية، والدخول بالتالي في دوامة بلا نهاية من الاقتتال المعنوي والمادي والتي يغذيها على نطاق آخر سياسة الهيمنة والعدوان والانتهاك المنهجية الممارسة في السياسة الغربية تجاه العرب والمسلمين، وما تولده هذه السياسة الغاشمة بالضرورة من إحساس متزايد بالضعف والإهانة والتخلف والإحباط ، وما تفرزه من رد فعل يتراوح بين الانعزال والهروب إلى الخلف وبين العنف الذي لا يبقي ولا يذر!!
هذه المعادلة بالرغم من بداهتها ووضوحها لا تتم قراءتها على هذا النحو من قبل الغرب، أو من قبل غلاة الإسلاميين، فالأول يفسر تصاعد أحداث العنف، بما في ذلك أحداث 11 سبتمبر، بأنها نتيجة طبيعية للعوامل الداخلية الخاصة بالإسلام وبطبيعة الأنظمة العربية، والطرف الثاني يرى في الأحداث ذاتها جولة جديدة من منازلات الحق ضد الباطل .
لقد كان من الأفضل القول بأن هذه المنازعات تستند في مجملها إلى سوء الفهم والجهل المزروع في التقاليد التاريخية والقيم التي يتم استدعاؤها لإحياء شرعيات عفا عنها الزمن، وتصور التاريخ كمجرد استحضار للثارات القديمة، كما إن هذه الحالة من الإقصاء المتبادل وفقد التسامح لا تتيحان الفرصة للأصوات القادرة على فتح الطريق أمام آفاق جديدة للفكر وللمعرفة وللعمل التاريخي المشترك لإنهاء هذا الاستقطاب وهذه الحرب المفتوحة، منذ قرون.
كما إن هذا التاريخ المشترك الذي يفترض أن تجري حوله المفاوضات بين الدول-الشعوب، تعني تأسيس سياسة مشتركة تستهدف عن طريق الإعلام والقيم الثقافية والتربوية، تقديم الإجابات التي تحظى بالصدقية في كل ما يتعلق بالمشكلات التي قسمت منذ قرون ما يسمى بالوعي الحضاري والوطني والديني، والذي كرسه عدد من المقاربات المتبادلة للعداء والمنحازة والقابلة للتوظيف الأيديولوجي الفوري في كل أوان ضد (العدو) الذي تم تشكيله منذ زمن بعيد، وإن فكراً نقدياً مسلحاً بأدوات وإمكانيات العقل الضرورية يمكنه وحده إعطاء معنى جديد ومهام جديدة لهذا التاريخ المشترك والمتحرر من المواجهة الحادة المستندة إلى الذاكرة المثخنة بالدماء والكراهية والتي يراد لها الاشتغال الدائم على خط الكراهية.