لماذا يعتقد الشاب الخليجي أن العمل، خير العمل، ينحصر في وظيفة مكتبية فقط؟ لماذا يتدافع الشباب الخليجي للعمل في المؤسسات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية فقط؟ ما هو السر في إصرار الشباب على أن يعملوا بين الأوراق وتحت المكيفات وعلى المكاتب المخملية فقط؟ لماذا يحبون الوظائف الناعمة فقط؟

عندما يتقدم الشاب الخليجي للعمل في بيئة مخملية ناعمة، لكنه لا يحصل على مراده، فإنه يفضل الجلوس في المنزل على أن يقوم بالبحث عن وسائل أخرى للرزق وإن تطلبت منه بعض العناء، من جهة أخرى عادة ما تكون الأعمال (الخشنة) والرجولية تدرُّ ربحاً هائلاً يفوق عشرات المرات راتب موظف بليد لا يحب أن يقوم من على كرسيه الجامد.

الوظائف الحكومية والمكتبية لها سقف معين تقف عنده الحدود والطموحات، أما الترقي والتطور الوظيفي فيها فإنهما يسيران ببطء شديد، حتى ينقلب بعد برهة من الزمن إلى روتين قاتل وممل، فيجد الإنسان نفسه بعد تقادم العمر أنه كان في المكان (الغلط)، وربما يملؤه الأسى والحزن والأسف، حيث قضى أحلى سِنِين حياته في وظيفة رتيبة.

يجب على الشباب البحريني والخليجي أن يرموا خلفهم الفكرة الكلاسيكية التي تقول إن الأعمال المكتبية الحكومية هي من أفضل الأعمال، فهذه الرؤية الممجوجة كانت مفيدة وواقعية قبل أكثر من 40 عاماً من اليوم، أما الآن ومع تخفيض الدول الخليجية لنسب العمالة الحكومية فيها، ومع إدخال التكنولوجيا والاتصالات الحديثة في أنظمتها التشغيلية الجديدة، إضافة لرغبة الكثير من الدول بيع مؤسساتها عبر مشاريع الخصخصة، يظل الحديث عن أهمية العمل في المؤسسات الحكومية (نكتة) سخيفة.

تتوسع اليوم مجالات الرزق نحو آفاق لا يمكن أن نحددها هنا، فالأعمال الحرة والتجارية والمشاريع الإبداعية الخلَّاقة، كلها يمكن أن تكسبك ذهباً. مؤخراً تعرفت على مجموعة من الشباب البحريني ممن يملكون شهادات عليا، صنعوا لأنفسهم مجداً واسماً في أسواق العمل والمشاريع التجارية المختلفة، فأصبحوا من رواد المال والأعمال في البحرين، وحتى على مستوى دول الخليج العربي، وها هم اليوم يتوسعون ويتمددون نحو العالمية.

حين تحدثت معهم عن العمل المكتبي والحكومي وعن رغبة كثير من الشباب البحريني للعمل في هذا القطاع، اعتبروا هذا الأمر نوعاً من البلادة وفيه كثير من سوء التقدير، ذلك حين قرر هؤلاء الشباب الفاقد للبوصلة العملية جهتهم نحو المستقبل.

سوق البحرين من الأسواق المفتوحة، وكل المجالات متاحة للشباب لأجل العمل فيها، وهناك مئات من المشاريع التجارية تنتظر من يشغِّلها من شباب الوطن، وهناك جهات مساعدة وقارضة ومموله للمشاريع الوطنية الشبابية، كتمكين وبنك التنمية وغيرها من الجهات الداعمة، يكمن للشباب الاستفادة منها لبناء مشاريعهم، وعلى هذا الأساس يكذب من يدَّعي أن أفضل أنواع الرزق هو العمل في القطاعين العام أو الخاص، فسوق العمل بها خير وفير. هنالك شاب تخرَّج من الجامعة ولم يحصل على وظيفة مكتبية، فجلس لمدة عامين في غرفته دون عمل، وهناك من تخرَّج من الجامعة ذاتها وفي ذات التخصص، لكنه لم يفكر أبداً أن يعمل في وظيفة روتينية مملة، بل قام بإنشاء مشروع تجاري مميز، وها هو اليوم بعد عامين من الجد والمثابرة أصبح يملك منزلاً وسيارة فخمة ورصيداً في البنك، ومازال يعمل ويتطوَّر، أما الأول فمازال يأخذ من والدته مصروفه اليومي، ألا وهو (نصف دينار) ويعيش حالة نفسية صعبة. هذا هو الفرق بين الجمود والإبداع، بين الكسل والرغبة في التطوير، تماماً كما هو الفرق بين الجنة والنارِ.