شعب البحرين وقف وتضامن مع دول الربيع العربي وشعوبها، ولكنه وضع حداً فاصلاً لهذا التضامن لأنه لا يجب أن يتجاوز التضامن العاطفي بسبب انتماء الهوية والأصل، والنهاية يجب أن يضع تفاصيلها شعوب هذه الدول وليس غيرهم، فلا يحق لغيرهم أن يضعوا تفاصيل مستقبلهم أياً كان الارتباط والمصلحة في ذلك.
هذه المعادلة البسيطة تؤكد حق الشعوب العربية في التضامن الجماعي، ولكنها في الوقت نفسه تسلبهم حق التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول. ووفقاً لهذه المعادلة لا نتوقع أن يتدخل البحرينيون في الشؤون الداخلية لبلدان الربيع العربي، مع استعدادهم التام لتقديم أي مساعدة أو دعم، وهي مسألة لم تكن مرتبطة يوماً بأحداث الربيع العربي نفسها.
بعض النخب الجديدة في بلدان الربيع العربي بدأت في الحديث عن الشأن البحريني، وبدأت تبحث عن موقع لها لتكون طرفاً من أطراف الأزمة التي شهدتها المنامة العام الماضي. هل مثل هذا التوجه مقبول أم مرفوض؟
لن أجيب عن مثل هذا التساؤل الآن، ولكنني سأستعرض محاولات أطراف إقليمية في منطقة الخليج عندما حاولت أن تأخذ نفس المنحى الذي تحاوله النخب الجديدة في دول الربيع العربي.
أولاً هناك نموذج يقوم على لجوء المعارضة الراديكالية إلى حكومة خليجية لطلب الوساطة، ولكن هذا الطلب حظي بالرفض والتحفظ من الحكومة نفسها، قبل أن يحظى الموضوع برفض حكومة البحرين ومكونات عدة من المجتمع المحلي.
أما النموذج الثاني فيعتمد على قيام إحدى الحكومات الخليجية بتقديم مبادرة لمعالجة الأزمة البحرينية، وهذه المبادرة تمت بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية. ومع ذلك فإن المبادرة حظيت بالرفض أيضاً من مكونات المجتمع، ومن حكومة البحرين قبل أن تقدم بشكل رسمياً.
سبب الرفض في كلا النموذجين هو مبدأ أصيل في السياسة الخارجية البحرينية وهو رفض التدخل في الشؤون الداخلية، وهو أمر ينطبق على البحرين عندما تتدخل في شؤون الدول الأخرى، أو حتى تدخل الدول الأخرى في شؤون البحرين، خاصة وأن هذا المبدأ من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي أقرت في اتفاقية سان فرانسيسكو خلال العام 1945.
في ضوء هذا الطرح فإن لجوء النخب الجديدة في بلدان الربيع العربي إلى التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين باسم المبادرة أو غيرها من المسميّات ينبغي أن يكون مرفوضاً جملة وتفصيلاً.
وهذا الإصرار على التدخل في الشؤون الداخلية للمنامة لا يمكن تفسيره سوى السعي للإساءة للعلاقات البحرينية ـ العربية والمصالح المرتبطة بها، أو تفسيره برغبة النخب الجديدة في دول الربيع العربي في تشتيت اتجاهات الرأي العام في بلدانها عن الوعود التي قدمت إبان الثورة بعد أن واجهت هذه النخب تحديات تتعلق بصعوبة تحقيق الأهداف التي طرحت آنذاك!