الدين ليس هو بالصلاة والصيام فقط، وليس هو سبحة للاستغفار يستغفر بها متى يشاء، الدين هو العقيدة التي تنير ظلمة الإنسان، وتجعل من حياته نوراً ساطعاً، الدين هو العقيدة التي ترسم للإنسان الحياة الجليلة وتجعله يتمسك بالمواقف الحسنة المضيئة، الدين هو الإنسان وهو الوطن، فالإنسان بدون عقيدة ليس ببشر، والبشر بدون وطن مجموعة تائهة، فمن ليست له عقيدة ليس له هدف في الحياة، ومن ليس له وطن فهو يعيش بدون هوية.
ونحن في الشهر المعظم “شهر رمضان” شهر التقوى والإيمان، شهر التوراة والإنجيل والقرآن، شهر يُمتحن فيه الإنسان، فيعاقب أو يُجزل له الإحسان. فما بال هؤلاء الذين يستمرون في حرق الوطن ويضعون العثرات أمام إخوانهم من المواطنين، فليالي شهر رمضان هي من أجمل الليالي وهؤلاء يجعلونها ليالي قاتمة السواد بما تنفثه حرائقهم من نيران، ألا يدركون أن هذه خطيئة؟ وإن كان هؤلاء على خلاف مع ولاة أمورهم فما علاقة الوطن وممتلكاته؟ وهل وضعت هذه الشوارع ليشعل هؤلاء النيران فيها كيفما شاؤوا وأرادوا؟ هل أمرتهم مرجعيتهم بذلك؟ أم دينهم؟ أين الموعظة الحسنة من كبارهم لصغارهم؟ أليس محبة الوطن والتضحية من أجله من أوامر الدين؟ ألم ينه الرب ورسله عن الاعتداء على الدين والدعوة للمحافظة على أرواح الناس أجمعين؟ أم أنهم لم يسمعوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي تدعو بعدم الاعتداء على الناس؟
فعندما يجمع الناس أمرهم ويهبون بمغادرة منازلهم ليلاً للزيارات وللترفيه عن أنفسهم بعد يوم من الصيام المبارك إذ يفاجؤون بألسنة اللهب تشوي الشوارع؛ وبأدخنة متطايرة في عنان السماء تذرف الدمع؛ فتتحول رغبتهم في الاستئناس والسعادة إلى حزن وكآبة؛؛ وهؤلاء الذين يبيحون لأنفسهم العبث بأرض الله ويروعون الآمنين ليس هدفهم حماية الوطن، ولا يبتغون بهذه الأعمال الإصلاح والديمقراطية، لكونها فساداً لا إصلاح، وخروجاً على القانون وليست متعلقة بالمطالبة بدولة المؤسسات والقانون. ومَن يُطالب بدولة المؤسسات والقانون عليه أولاً أن يُحافظ على مؤسسات دولته، يطورها لا يُدمرها، يُعمرها لا يفنيها، يجعلها مستمرة لا يقبرها، فهي له ولجميع المواطنين الباقين منهم والآتين، فتحت ظلال هذه المؤسسات يعيش هذا الإنسان، فهو يحتاج إليها كما يحتاج إلى الهواء والماء، يحتاج إلى الصحة والتعليم والكهرباء وإلى كافة الخدمات التي تنتجها له هذه المؤسسات. ومَن يُرد المحافظة على القانون ويدعو إلى تطبيقه فعليه بادئ ذي بدء أن يلتزم به، ويجعل من نفسه أداة ووسيلة للمحافظة عليه، فهل الاستمرار في الحرائق التزاماً بالقانون؟ وهل وضع العثرات أمام الناس في الشوارع والطرقات والممرات من مبادئ القانون؟ ومع الأسف هناك مَن يدعي بجهالة أو تواطؤاً بأن أعمال هؤلاء هي نضال وطني وتأتي تحت ذريعة المطالبة بالحقوق الوطنية!!
جميع أبناء البحرين لهم مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية ومهنية وحقوقية، والدولة تعترف بهذه المطالب المشروعة للمواطنين، ودستور الدولة يرشد المواطن إلى الطريق الصائب للمطالبة بحقوقه لنيلها، ويبقى على المواطن الرشيد أن يختار الوسيلة المثلى لتحقيق هذه المطالب التي تسعى الدولة بما لديها من الإمكانات المادية والمعنوية لتلبية القدر الأكبر منها. ومن الطرق المثلى لها الحوار الذي يُحقق أهداف الجميع ولمصلحة الجميع، وإذا رفض أحد الأطراف الحوار فكيف يمكن للطرف الآخر أن يُقرر؟ وهل سيلتزم الطرف الرافض للحوار بما يقرره الطرف الآخر؟
لقد تمنينا قبل أن يحل شهر رمضان المبارك أن تنعم بلادنا وشعبنا برمضان آمن وبعيداً عن التسييس، وبعيداً عن الأفعال التي لا تليق بهذا الشهر الكريم، فليست هذه الأفعال من أجندة شهر رمضان، هذه الأفعال جعلت الكثير من المجالس الاجتماعية تغلق أبوابها، وجعلت الكثير من المواطنين يحذرون من القيام من هذه الزيارات والبقاء خارج المنازل في ساعات متأخرة من الليل كما هو شائع في شهر رمضان. من أهم دروس مدرسة شهر رمضان هو الإيمان والأمان والتواصل والتسامح، وهذه الدروس لا تأتي من دخان الحرائق، ولا ينتهجها إلا مؤمن ملتزم بعقيدته محباً لوطنه وشعبه ومعتزاً بقيادته. اللهم احفظ وطننا وأمنا في ديارنا وأنجح سعي قياداتنا في ما يصبون إليه من خيرٍ ووئام وأمنٍ وسلام.. آمنين.