كل أزمة سياسية تصيب الدول والمجتمعات البشرية إلا ولها في النهاية حل. ربما تكون الأزمة السياسية كبيرة للغاية، وربما يمر الحل عبر منعطفات طويلة الأمد، لكن لا شك ولا ريب أن لكل أزمة سياسية لها حل في نهاية المطاف، فقط، هو في البحث عنه والصبر عليه.
هذا كلام جميل متفق عليه، لكن القبيح من الكلام، هو أن تتحول الأزمة السياسية إلى أزمة عقائدية، فتدخل الدولة ومعها المجتمع في دوامة (حيص بيص)، حتى يدوي الشعار المشهور (إما قاتل أو مقتول).
في بعض الأحيان، حين يعجز بعض أطراف الصراع السياسي من معالجة الأزمة السياسية بطريقة سياسية راشدة، نراهم يُحْرِفُوها نحو جهة الدين والعقيدة، فإذا حدث ذلك، فإن الحرب تبدأ ولا تنتهي.
إن أدوات الجماعات السياسية تتمثل في الحوار والقناعات وتغيير أساسيات اللعبة والمصلحة والمرونة والأخذ والعطاء وفتح الأبواب، فمن كان صديق الأمس يمكن أن يكون عدو اليوم، ومن كان عدو الأمس يمكن أن يكون كذلك صديق اليوم، هذه هي السياسة، لكن حين تتحول الصراعات السياسية إلى صراعات دينية وعقدية، فإنك أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أبيض أو أسود، اللون الرمادي ممنوع هنا.
نحن نحذر كل السياسيين الذين عجزوا عن حل الأزمة في البحرين، أو أية دولة عربية أخرى، منْ أن يحوِّلُوها إلى أزمة دينية، لأنهم لو فعلوا ذلك، فإن الأزمة ستضيع، وتزول معالمها وملامحها وكل ما فيها، وستوقظ بعد ذلك كل المجانين والعقديين المتصلبين وأرباب التاريخ والثارات والكراهيات والشياطين والمعتوهين والمهاوشين، وكل آفات الموت، ليستلموا بعدها، الدولة والناس، وحينئذ بشرهم بعذاب أليم.
كلما زاد إصرار السياسيين بتحويلهم ملف الأزمة السياسية للتيارات والأقطاب الدينية الشرسة، فإنهم بذلك يزيدون من الضغط على أصحاب العقائد وأتباعهم من البسطاء، فيضطرون خوفاً من خسران عقائدهم، أن يتحوَّلوا إلى مخلوقات شرسة، حفاظاً على خصوصيات عقائدهم، خاصة حين يُشْعِرونَهمْ بأن عقيدتهم تتعرض للانتهاك أو المحاربة والتشويش.
في ظل هذه الأجواء الموتورة بين أصحاب العقائد، وفي ظل انسحاب السياسيين من الساحة السياسية، وتحويل الأزمة السياسية إلى أزمة دينية، فلا غرابة حينها في أن تنتج المجتمعات الإسلامية المسكونة بالعقيدة، مجموعة لا يستهان بها من الغلاة والتكفيريين والجهلة والمجانين والطائفيين والمشعوذين وأصحاب الفتن، بمعنى أننا سننتج، بل ونصدر إرهابيين إلى كل أنحاء العالم باسم الدين!.
اليوم، وإن كانت الأيادي الأجنبية والغربية تعبث في الخفاء، لضرب وعينا وإدراكنا ووحدتنا ودولنا ومصيرنا ومستقبلنا وشعوبنا، إلا أنهم أصبحوا أقل عملاً من الأمس، لأن هنالك من العرب من يقوم بهذا الدور القذر نيابة عنهم، وهذا الأمر يبعث في نفوس أعداء أمتنا الفرح والسرور.
قبل عام ونصف العام، كانت أزماتنا سياسية محضة، لكن اليوم أشك في ذلك، لأن العقديين المنحرفين عن جادة الوسطية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أصبحوا هم اللاعبون الحقيقيون في أزمة وطننا العربي، بل استطاعوا أن يخطفوا الربيع العربي وثوراته وناسه ودوله، وبهذه المعادلة المتشظية، من المؤكد أن تكون (الحسبة ضايعة) في عالمنا العربي النازف.
جولة لا تتجاوز الخمس دقائق في تويتر، ستخلق عندك يقيناً صادقاً، أن الأزمات السياسة في دول الربيع العربي، تحولت غالبيتها إلى أزمات عقائدية صرفة، وربما اختلطت كلها بالديني، مما يصعب التمييز بينهما، لكن المشكلة أن هذه الثقافة الدينية السياسية القاطعة، أنتجت قطيعاً من البشر، لا يميزون بين الناقة والجمل، وهنا يكمن الخطر.
الصغير والكبير، المرأة والرجل، العاقل والمجنون، المثقف والجاهل، كلهم وجدتهم في تويتر وعلى أرض الواقع، يصطفون اصطفافاً طائفياً بشعاً خلف عقائدهم، غير عابئين بأوطانهم، حينها قلت في نفسي، هذا ما يريده عشاق النفط من خلف الأطلسي.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90