بالبداية مبارك عليكم الشهر الفضيل وكل عام وأنتم بألف صحة وخير.
أكملت قراءة «هكذا تكلم زرادشت لفريدريك نيتشه قبل شهر ونص للمرة الثانية»، الكتاب يحتوي على عدة مواقف ومشاهد لشخصية زرادشت الوهمية والتي ابتكرها نيتشه على لسان قلمه وفي حوار رجل مسن يقول فيه لزرادشت «لقد كنت في عزلتك كما لو كنت في بحر، وكان البحر يحملك. ويحك أتريد أن تجرجر جسدك بنفسك من جديد؟» وما يقصده حقاً هذا المسن ليس بالعزلة بالمعنى الحقيقي، بل إن تلك العزلة هي التي ولدت حكمة لزرادشت من التجارب التي عاشها وحيداً، من الصراعات الفكرية التي واجهها بداخل عقله، وفي مقطع آخر يؤكد فيه زرادشت بأن البشر يستحقون أي تجربة يمرون بها، لأنها هي العصا الدالة نحو تجديد وتصفية القيم الشائبة والوصول نحو جزيئات من الكمال.
نحن بالتأكيد وفي العالم الرياضي، شخوص تستحق التجربة حتى تصل للوعي الكافي والذي يؤهلها لاحقاً لعدم الوقوع في فخ أي خطأ وارد، وعلى الرغم من مرورنا بأزمات ومشكلات رياضية إلا أننا لا نتعلم منها، ولنحمد ربنا على وجود تلك المشكلات لأنها تزيد من وعي فئة وشريحة مجتمعية كبيرة جداً، عام يتلوه عام آخر، فلنرجع بالزمن قبل 5 أعوام من الآن، كم عدد الذين يتحدثون ويناقشون ويطرحون الأزمات الرياضية ويحاولون حلها؟ هل بنفس العدد الذي هو عليه الآن؟ قطعاً لا، وبرغم ظهور وسائل الغزو التقنية الرحيمة، فقد سهلت تلك الوسائل لخلق وعي رصين ومتين سيكون له الدافع الحقيقي في الأيام القادمة في كشف أسباب ما نمر به من أزمات رياضية والسبل نحو إيجاد أبسط حلولها، إن الزمن يخلق وعياً كبيراً للعديد من متابعي الرياضة، ويجعلهم مسلحين بثقافات متفردة جداً، ولا نستغرب بعد 10 أعوام لو تكلم المراهق ذو الخمسة عشر عاماً وأسكت أحد الصحافيين الرياضيين ببيروقراطيته الفكرية وموروثه الذي اكتسبه من تجارب الزمن والتي أعطته رخامة معلوماتية ثقافية في مناظرة من المناظرات رياضية.
علينا أن نستفيد ونستفيد من التجارب، حتى وإن وجدت الأزمات في رياضتنا، فإننا يجب أن نبحث عن الاختلاف لأنه هو الطريق السليم نحو معرفة الشوائب وإن نعاني من قناعات عنيدة لا تتبدل، فأحياناً يكون الاختلاف سلاحاً جداً مهماً يضفي على قناعاتك بما يضدها، و يزرع بها زهوراً ووروداً كنت تظنها ألغاماً وأشواكاً!
همسة
ليس الكلام في الكتب.. الكلام في الناس – قاسم حداد