أتصوّر أن المبادرة الوطنية التي طرحتها كتلة البحرين النيابية، وغيرها من المبادرات الشعبية الجريئة تهدف إلى لملمة الشمل، وتحريك المياه الراكدة، وإعادة العلاقات الاجتماعية وروابط القرابة والدم بين أبناء الطائفتيّن الكريمتيّن إلى سابق عهدها. إن مجمل هذه المبادرات قابلة للنجاح إذا استندت على قيادة العقلاء من أبناء الوطن، هؤلاء الأشخاص الغيورين على وحدة الصف الوطني، والذين يضحّون بوقتهم ومالهم وحياتهم، ويركبون الصعاب والمشقّات من أجل أن ينهض وطننا الحبيب من كبوته، وأن تحيا الأجيال الصاعدة حياةً ملؤها العِّز والكرامة.
إن الجانب المهم في هذه المبادرات، كما أرى، ألا تتحوّل إلى ردود أفعال على الوقائع اليومية المتلاحقة، بل أن تضع البدائل الممكنة للخروج من النفق المظلم، وتبتكر قواعد جديدة لإرساء علاقة متينة بين السلطة والمجتمع، فالعقل ليس فاعلية أو تجسيداً لحالة انفعالية سلبية تقوم على التكيّف مع كل ما هو كائن تكيّفاً سلبياً بل إنه العقل الفلسفي الذي يريد تغيير الواقع، وعدم الاكتفاء بتفسيره، إنه يخاطر ويغامر ليصبح عقلاً واعياً بذاته، ويتجاوز الأساطير والخرافات المعششة في العقول الأخرى المسيّرة من الآخرين، أي التي لا تملك مفتاح قرارها بيدها بل تنتظر هذه المرجعية أو تلك كي ترسم لها ما يفترض أن تفعله اليوم أو غداً أو بعد غد.
يفترض ألاّ يكتفي العقلاء بالتعامل مع الحاضر، بل يجب أن يتمتّعوا بمرونةٍ نادرةٍ في تفسير الأحداث، وتأويلها، وتحليلها، ونقدها بروح وطنية خالصة تخلو من الانحيازات والتفسيرات والتصنيفات المسبقة، هذه التصنيفات التي ابتكرها أناس ولجوا حقل السياسة بطريق المصادفة، فغدوا بين عشيةٍ وضحاها أبطالاً لـ«الكيبورد”، وصارت الفضائيات الموتورة تتسابق لاستضافتهم في برامجها الإخبارية، وتقديمهم باعتبارهم “متحدثين” باسم الشعب، وهم في الواقع لا يمثِّلون إلا أنفسهم.
إنهم لا يعلمون، أو لنقل لا يريدون أن يعلموا، أن العقلاء الذين يتصدّرون الصفوف، ويطرحون المبادرات الشعبية الرامية إلى توطيد العلاقات بين فئات المجتمع وأطيافه ومكوِّناته ليسوا أفراداً طارئين على الحياة السياسية، بل هم قامات لها تاريخها الوطني، وامتداداتها الاجتماعية، وتأثيرها في أوساط الجماهير الغفيرة، وهو تأثير لن يستطيع أحد إلغائه أو تهميشه!
? أستاذ التربية بجامعة البحرين