الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال افتتاح القمة الإسلامية الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي بمكة المكرمة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك جاءت في وقت بدا فيه كل مسلم يعاني من التفرق بين المذاهب الإسلامية حتى في حياتيه اليومية، وهي دعوة مهمة لا يكفي التعبير عن استحسانها والتصفيق لها فأهميتها تكمن – إضافة إلى أنها موجهة من قبل خادم الحرمين الشريفين – في أنها يمكن أن تكون الباب والطريق الذي يوصل إلى رقي هذه الأمة، ذلك أن تجاوز الشكليات المكبلة لانطلاقة الأمة الإسلامية يؤدي بالضرورة إلى مرحلة البناء.
قبل إعلان خادم الحرمين الشريفين عن دعوته الكريمة التي قدمها في صيغة مقترح أشار إلى ثلاثة أمور مهمة، أولها أن الأمة الإسلامية تعيش اليوم حالة من الفتن والتفرق، وثانيها أنه بسبب التفرق تسيل دماء أبناء الأمة الإسلامية، وثالثها أن التغلب على الفتن لا يكون إلا بالتضامن والتسامح والاعتدال، وكل هذه الأمور لا تتحقق إلا إن توحدت الكلمة واتفق المسلمون على الخطوط العريضة وتركوا عنهم تلك الشكليات المكبلة والقاتلة. من هنا تأتي أهمية الدعوة لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية في مدينة الرياض .
إن جانباً غير قليل مما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من مشكلات تصل حد القطيعة وأحيانا الحروب سببه الاختلاف على شكليات، يمكن تجاوزها بشيء من الجرأة، وتحمل المسؤولية، خاصة وأن جزءاً كبيراً منها يستند إلى أحداث وقصص يبعدنا عن زمانها زمن طويل.
في اعتقادي أن واحداً من أهم أسباب الخلافات بين المسلمين هو أن البعض منهم صار يسمح لنفسه الدخول في مساحة تخص رب العالمين، وصار بناء عليه يوزع صكوك دخول الجنة والحرمان منها، حتى وصل الأمر إلى إصدار البعض فتاواه وقراراته بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وصار وكأنه خليفة الله على الأرض، متناسين جميعا دعوة القرآن الكريم إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق.
العلاقة بين المخلوق والخالق هي في نهاية الأمر علاقة خاصة، فالمخلوق يصلي للخالق الذي يتقبل منه أو لا يتقبل وهو لا يصلي لمخلوق مثله ليس مهماً أبداً إن أعجبته تلك الصلاة أم لم تعجبه. والأمر نفسه ينطبق على بقية العبادات حيث الصوم لله وحيث الحج لله، والاختلاف في أداء المناسك بين مخلوق وآخر لسبب أو لآخر -لا علاقة لهما به غالباً- يحسمه الخالق، الذي هو القصد من كل الأداء، وبالتالي فإن تكفير هذا لذاك وانتقاد ذاك لهذا على طريقته في التعبد “والتي لا تخالف الأساسات طبعاً” لا قيمة له لأنه تجرؤ من المخلوق بالتدخل في خصوصيات الخالق.
كثيرة هي الأمور التي يمكن لعلماء الدين من مختلف المذاهب الإسلامية الاتفاق على تجاوزها ما يؤدي إلى التسامح ومن ثم التضامن والوقوف صفاً واحداً. تجاوز الشكليات التي هي جل الاختلافات بين المذاهب الإسلامية إن لم تكن كلها من شأنه أن يعيد لهذه الأمة مجدها فتتفرغ للبناء وللعطاء ولبيان مقدار عظمة هذا الدين وعظمة الخالق.
تأسيس المركز الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين خطوة مكملة لخطوات سبقته في التقريب بين المذاهب الإسلامية، لم تثمر لعدم تمكن علماء المسلمين من تجاوز الشكليات، وربما لإصرار بعضهم على أمور ليست من أساسات الدين. إن بلوغ الأهداف التي سيؤسس من أجلها هذا المركز لن يتحقق إن استمر علماء المسلمين المؤمل منهم النهوض بهذه الأمة متمسكين بالشكليات ومركزين على القشور.
شجاعة خادم الحرمين الشريفين المتمثلة في دعوته الرائعة إنشاء المركز المذكور ينبغي دعمها بجرأة مماثلة من قبل علماء الإسلام بابتعادهم عن الشكليات.