عقد مؤتمر لقاء الحضارتين الإسلامية والصينية في بكين يومي 28-29 يونيه 2012 بمبادرة من مركز الأبحاث الثقافية والتاريخية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي ومقره إسطنبول، وبدعوة من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (معهد الأديان العالمية). وشارك في افتتاح الاجتماع كل من أمين عام منظمة التعاون الإسلامي ورئيس معهد أبحاث التاريخ والفن والثقافة الإسلامية ومديرو معاهد أبحاث من المملكة العربية السعودية وباكستان وماليزيا، وباحثون من البحرين ومصر واليابان وقطر وبريطانيا والجزائر والصين والولايات المتحدة وغيرها من المتخصصين في الدراسات الصينية، واستمرت مداولات المؤتمر على مدى يومين تم خلالها استعراض العلاقات التاريخية والثقافية بين الصين والعالم الإسلامي، والتأثير المتبادل بين المجموعتين والأبعاد التجارية والاقتصادية، وكذلك التعاون على مستوى دول منظمة التعاون الإسلامي سواء في إطار تنظيمي أو في إطار ثنائي.
القوة الدافعة وراء المؤتمر كانت مبادرة منظمة التعاون الإسلامي وخاصة أمينها العام البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلو ومركز أبحاث التاريخ والثقافة الإسلامية في إسطنبول ورئيسه البروفسور خالد إرن ومعهد الأديان العالمية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. وهذا يعكس التناغم بين أمين عام المنظمة ومركز الأبحاث المذكور لتحقيق الأهداف والرؤية الاستراتيجية لكليهما كانت الدارسة التي تقدمت بها للمؤتمر بعنوان مفهوم التناغم (الانسجام والتوافق) في الحضارتين الإسلامية والصينية، حيث عرضت لتطور هذا المفهوم في إطار مقارن بين الحضارتين وحظي البحث باهتمام كبير من الباحثين الصينيين والغربيين الذين كانوا مشاركين في المؤتمر وأثار بعض الباحثين الغربيين نقاط مناقشة حول موقف ابن تيمية ومفهوم الجهاد من مفهوم التناغم وأنه يتعارض مع هذا المفهوم، وكيف نفسر الفكر الجهادي المعاصر في ضوء مفهوم التناغم وقد أوضحت أن مفهوم التناغم والوئام يرتبط بالإسلام ومبادئه وأهم مرجعياته وهو القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم. أما اجتهادات الفقهاء فلها ظروفها. فابن تيمية عاش في مرحلة مضطربة، حيث تكالبت غزوات الصليبين وبعد ذلك المغول على المسلمين وكان عليه كفقيه بارز أن يعبر عن العصر الذي عاشه ويحض المسلمين على القتال دفاعاً عن أرضهم وأن مفهوم الجهاد في الإسلام مفهوم يرتبط بالدفاع وليس بالعدوان والله أكد ذلك بقوله “ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين “، وفي تأكيده سبحانه وتعالي على أن المبدأ الأساسي للمسلمين في علاقاتهم مع الشعوب الأخرى هو السلام بقوله “ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”، ولقد أيد الباحثون المسلمون ما ذكرته واستحسنوه من خلال تصفيق شديد خاصة المسلمين الصينيين.
كان من أبرز اهتمامات الباحثين الصينيين والعرب المقيمين في الصين على هامش المؤتمر الاستفسار عن أمرين:
أولهما: عن الأزهر الشريف وعن دور فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في ظل التطورات الجارية في عدد من الدول العربية والإسلامية وخاصة مصر، وكذلك استفسروا عن عدد من القضايا السياسية المعاصرة، فأجبتهم في حدود معلوماتي، ثم طلبت منهم الاتصال بالسفارة المصرية في بكين بخصوص من رغبوا في استكمال بعض أبحاثهم عن التصوف ومدارسه واتجاهاته الحديثة. ولمست أن الباحثين الصينيين سواء من المسلمين أو غير المسلمين يهتمون كثيراً بذلك، لأن التصوف ومدارسه لعبت دوراً مهما في الحفاظ على الهوية الثقافية للمسلمين الصينيين وعلى التراث الإسلامي والتعريف به في الصين. وقد أثار انتباهي أن الباحثة التي استقبلتني في المطار كانت تعد دراستها لرسالة الدكتوراه في الطريقة النقشبندية.
ثانيهما: استفسر بعض المشاركين العرب من الباحثين المقيمين في الصين عن دور جامعة الدول العربية في التعريف بالثقافة والحضارة العربية؟ ولماذا لا تقم بإنشاء مركز ثقافي عربي في الصين؟ ولماذا توقفت المجلة التي كان يصدرها مكتب الجامعة العربية في بكين وكانت تصدر باللغتين العربية والصينية؟ واستطرد هؤلاء موضحين أن المجلة كانت تحتوي على معلومات قيمة عن مختلف الدول العربية وعن القضايا العربية، وهو ما كان يمثل مصدر معلومات لكثير من الباحثين الصينيين والعرب على حد سواء، وإن توقفها خسارة للبحث العلمي وإضعافاً للوجود العربي في الصين، فوعدتهم بنقل ذلك إلى أمين عام جامعة الدول العربية.
ولقد أجرت جريدة الشعب الصينية حديثاً معي حول المؤتمر مما جاء فيه رداً على سؤال ماذا يستفيد العلماء والخبراء من مثل تلك الندوات؟ وماذا تستفيد الصين والدول الإسلامية من ذلك؟ فأجبت “إنني كباحث متخصص في الشؤون الصينية لأكثر من أربعين عاماً حتى الآن أجد كل مرة أزور فيها الصين أشياء جديدة وكثيرة لم أكن أعرفها، وهذا يعمق لدى كل باحث الفهم حول الصين، ومن ثم يقدم فكره وآراءه ومقترحاته للعديد من الجهات التي تطلب منه الرأي والمشورة في دولته أو أية جهة تطلب منه ذلك، مضيفاً أن عملي في منطقة الخليج العربي أتاح لي فرصة لفهم قضايا المنطقة، وكذلك فإن التعرف على الصين يتيح فهماً أعمق لقضاياها وثقافتها وتراثها.
أما بالنسبة للدول الإسلامية والصين، فهناك ثلاث فوائد على الأقل الأول بناء كوادر متخصصة لدى الأطراف والدول المشاركة الأمر الذي يساعد في فهم كل طرف لأولويات الطرف الآخر ومن ثم تجنب حدوث لبس أو أخطاء فهم الاهتمامات والأولويات لدي كل طرف، ومن ناحية ثانية يعمق التواصل الأكاديمي والعلمي بين الأطراف وإجراء البحوث المشتركة في مجال الاهتمامات المتشابهة، ومن ناحية ثالثة يعزز علاقات الدول بعضها بعضا عبر مراكز الأبحاث والفكر، ولا ننسى أن المشاركين جميعاً لكل منهم دوره ومكانته في دولته. وهم الذين ينيرون الطريق أمام الرأي العام في دولهم.
ورداً على سؤال حول نتائج المؤتمر، ذكرت أن هذه الندوة هي حلقة وبداية، هي بداية للتعامل بين الصين ومنظمة التعاون الإسلامي كإطار شامل لجميع الدول الإسلامية الـ 57 دولة والتي تمثل ربع سكان العالم تقريباً هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فقد تم التوصل لتفاهم بين الطرفين لعقد سلسلة من الندوات بالتبادل بين الأكاديمية الصينية ومركز التاريخ والثقافة والفنون الإسلامية في اسطنبول؛ وهو مركز متميز في أبحاثه ودراساته وهو من الأجهزة المهمة في إطار النشاط الثقافي لمنظمة التعاون الإسلامي”.
إن العلاقات الإسلامية الصينية بالغة الأهمية لتوضيح بعض القضايا ذات الصلة بالإسلام ودوره العالمي ومكانته السياسية والعلمية والثقافية، وكذلك توضيح موقف الإسلام من قضايا قديمة ومعاصرة في آن واحد، مثل قضايا المرأة، الجهاد، الردة، الإرهاب، السلفية والتطرف، وهي موضوعات تم تشويهها عبر العصور وتزداد خطورة هذا التشويه في المرحلة الراهنة من تطور العلاقات الدولية حيث وسائل الاتصال الحديثة السريعة، وأدوات التواصل الاجتماعي تنشر الأفكار والمعلومات بسرعة بغض النظر عن مدى مصداقيتها، وهذا يعمق التفاهم من ناحية، ويعمق الصورة المشوهة عن الإسلام من ناحية أخرى. وإنني أقول دائماً أن الدبلوماسية المعاصرة ليست دبلوماسية رسمية فحسب، بل هي دبلوماسية ثقافية حضارية وإن اختيار الدبلوماسي يجب أن يخضع لمعايير جديدة تساير العصر وأوضحت ذلك في كتابي عن “الدبلوماسية والاستراتيجية والبروتوكول”، إنه للأسف مازال بعض الدبلوماسيين العرب والمسلمين يتم اختيارهم وتثقيفهم بمعايير تقليدية، لذلك لا يستطيعون مواكبة العصر بفكره ومتغيراته الكثيرة والملاحقة. من هنا فإن مبادرة أمين عام منظمة التعاون الإسلامي جاءت لتملأ فراغاً دبلوماسياً وثقافياً في التعامل مع الصينيين، فله ولمركز أبحاث التاريخ والفن والثقافة التابع للمنظمة كل التقدير على ذلك ولقد وجهت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية دعوة لسفراء الدول الإسلامية في بكين لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، ولكن للأسف لم تحضر منهم سوى قلة محدودة لا تزيد عن خمسة عشر سفيراً من الـ 57 سفيراً الممثلين لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي ومعظمهم معتمدون في بكين.
في تقديري، إن مثل هذه المؤتمرات كفيلة بدحض حجج المهاجمين للإسلام ورسوله وإنه تعبير عن حوار حضاري راقٍ وليس مطلوباً ولا ممكنا من المسلمين أو العرب أن يردوا على كل من ينتقد الإسلام بأسلوبه أو بأسلوب عنيف، فهذا ليس من طبائع الإسلام ولا يليق بدعوته للسلم والتعاون والتعارف بين بني البشر، وإن في قوله تعالى “ادفع بالتي هي حسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، خير مرشد سلوك المسلمين تجاه من ينتقدونهم أو ينتقدون الإسلام أو ينتقدون الرسول ولن يستطيعوا تغيير الآخرين فكرياً وسلوكياً، ولكنهم يستطيعون التحاور معهم بالحسنى، وذلك اقتداء برسولهم الكريم الذي وصفه الله سبحانه وتعالي بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم”، وبقوله “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”، ومن ثم نترك غلاظ القلوب وشأنهم ولندعو ونوضح الإسلام بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة، كما أمرنا الله سبحانه وتعالي.
أما التهور والاعتداء على السفارات وغيرها فسوف يجر علينا العواقب الوخيمة وسوف يدرك الآخرون نقاط ضعفنا ويتلاعبون بأعصابنا وبعقولنا ولن نستطيع المقاومة، فهذا كالثور الذي يدور في الساقية وهو معصوب العينين وبدون تفكير إلا من خلال رد الفعل المنعكس مثل نظرية بافلوف في هذا الصدد وبدون فائدة حقيقية لنا.
ختاماً فإنني أتمنى لهذه المبادرة العلمية المتميزة الاستمرار والتعمق في موضوعات ذات بعد مستقبلي بعد أول مؤتمر بأبعاده التاريخية والفلسفية التي غطتها أعمال هذه الدورة الأولى للمؤتمر.
القوة الدافعة وراء المؤتمر كانت مبادرة منظمة التعاون الإسلامي وخاصة أمينها العام البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلو ومركز أبحاث التاريخ والثقافة الإسلامية في إسطنبول ورئيسه البروفسور خالد إرن ومعهد الأديان العالمية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية. وهذا يعكس التناغم بين أمين عام المنظمة ومركز الأبحاث المذكور لتحقيق الأهداف والرؤية الاستراتيجية لكليهما كانت الدارسة التي تقدمت بها للمؤتمر بعنوان مفهوم التناغم (الانسجام والتوافق) في الحضارتين الإسلامية والصينية، حيث عرضت لتطور هذا المفهوم في إطار مقارن بين الحضارتين وحظي البحث باهتمام كبير من الباحثين الصينيين والغربيين الذين كانوا مشاركين في المؤتمر وأثار بعض الباحثين الغربيين نقاط مناقشة حول موقف ابن تيمية ومفهوم الجهاد من مفهوم التناغم وأنه يتعارض مع هذا المفهوم، وكيف نفسر الفكر الجهادي المعاصر في ضوء مفهوم التناغم وقد أوضحت أن مفهوم التناغم والوئام يرتبط بالإسلام ومبادئه وأهم مرجعياته وهو القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم. أما اجتهادات الفقهاء فلها ظروفها. فابن تيمية عاش في مرحلة مضطربة، حيث تكالبت غزوات الصليبين وبعد ذلك المغول على المسلمين وكان عليه كفقيه بارز أن يعبر عن العصر الذي عاشه ويحض المسلمين على القتال دفاعاً عن أرضهم وأن مفهوم الجهاد في الإسلام مفهوم يرتبط بالدفاع وليس بالعدوان والله أكد ذلك بقوله “ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين “، وفي تأكيده سبحانه وتعالي على أن المبدأ الأساسي للمسلمين في علاقاتهم مع الشعوب الأخرى هو السلام بقوله “ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها”، ولقد أيد الباحثون المسلمون ما ذكرته واستحسنوه من خلال تصفيق شديد خاصة المسلمين الصينيين.
كان من أبرز اهتمامات الباحثين الصينيين والعرب المقيمين في الصين على هامش المؤتمر الاستفسار عن أمرين:
أولهما: عن الأزهر الشريف وعن دور فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في ظل التطورات الجارية في عدد من الدول العربية والإسلامية وخاصة مصر، وكذلك استفسروا عن عدد من القضايا السياسية المعاصرة، فأجبتهم في حدود معلوماتي، ثم طلبت منهم الاتصال بالسفارة المصرية في بكين بخصوص من رغبوا في استكمال بعض أبحاثهم عن التصوف ومدارسه واتجاهاته الحديثة. ولمست أن الباحثين الصينيين سواء من المسلمين أو غير المسلمين يهتمون كثيراً بذلك، لأن التصوف ومدارسه لعبت دوراً مهما في الحفاظ على الهوية الثقافية للمسلمين الصينيين وعلى التراث الإسلامي والتعريف به في الصين. وقد أثار انتباهي أن الباحثة التي استقبلتني في المطار كانت تعد دراستها لرسالة الدكتوراه في الطريقة النقشبندية.
ثانيهما: استفسر بعض المشاركين العرب من الباحثين المقيمين في الصين عن دور جامعة الدول العربية في التعريف بالثقافة والحضارة العربية؟ ولماذا لا تقم بإنشاء مركز ثقافي عربي في الصين؟ ولماذا توقفت المجلة التي كان يصدرها مكتب الجامعة العربية في بكين وكانت تصدر باللغتين العربية والصينية؟ واستطرد هؤلاء موضحين أن المجلة كانت تحتوي على معلومات قيمة عن مختلف الدول العربية وعن القضايا العربية، وهو ما كان يمثل مصدر معلومات لكثير من الباحثين الصينيين والعرب على حد سواء، وإن توقفها خسارة للبحث العلمي وإضعافاً للوجود العربي في الصين، فوعدتهم بنقل ذلك إلى أمين عام جامعة الدول العربية.
ولقد أجرت جريدة الشعب الصينية حديثاً معي حول المؤتمر مما جاء فيه رداً على سؤال ماذا يستفيد العلماء والخبراء من مثل تلك الندوات؟ وماذا تستفيد الصين والدول الإسلامية من ذلك؟ فأجبت “إنني كباحث متخصص في الشؤون الصينية لأكثر من أربعين عاماً حتى الآن أجد كل مرة أزور فيها الصين أشياء جديدة وكثيرة لم أكن أعرفها، وهذا يعمق لدى كل باحث الفهم حول الصين، ومن ثم يقدم فكره وآراءه ومقترحاته للعديد من الجهات التي تطلب منه الرأي والمشورة في دولته أو أية جهة تطلب منه ذلك، مضيفاً أن عملي في منطقة الخليج العربي أتاح لي فرصة لفهم قضايا المنطقة، وكذلك فإن التعرف على الصين يتيح فهماً أعمق لقضاياها وثقافتها وتراثها.
أما بالنسبة للدول الإسلامية والصين، فهناك ثلاث فوائد على الأقل الأول بناء كوادر متخصصة لدى الأطراف والدول المشاركة الأمر الذي يساعد في فهم كل طرف لأولويات الطرف الآخر ومن ثم تجنب حدوث لبس أو أخطاء فهم الاهتمامات والأولويات لدي كل طرف، ومن ناحية ثانية يعمق التواصل الأكاديمي والعلمي بين الأطراف وإجراء البحوث المشتركة في مجال الاهتمامات المتشابهة، ومن ناحية ثالثة يعزز علاقات الدول بعضها بعضا عبر مراكز الأبحاث والفكر، ولا ننسى أن المشاركين جميعاً لكل منهم دوره ومكانته في دولته. وهم الذين ينيرون الطريق أمام الرأي العام في دولهم.
ورداً على سؤال حول نتائج المؤتمر، ذكرت أن هذه الندوة هي حلقة وبداية، هي بداية للتعامل بين الصين ومنظمة التعاون الإسلامي كإطار شامل لجميع الدول الإسلامية الـ 57 دولة والتي تمثل ربع سكان العالم تقريباً هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فقد تم التوصل لتفاهم بين الطرفين لعقد سلسلة من الندوات بالتبادل بين الأكاديمية الصينية ومركز التاريخ والثقافة والفنون الإسلامية في اسطنبول؛ وهو مركز متميز في أبحاثه ودراساته وهو من الأجهزة المهمة في إطار النشاط الثقافي لمنظمة التعاون الإسلامي”.
إن العلاقات الإسلامية الصينية بالغة الأهمية لتوضيح بعض القضايا ذات الصلة بالإسلام ودوره العالمي ومكانته السياسية والعلمية والثقافية، وكذلك توضيح موقف الإسلام من قضايا قديمة ومعاصرة في آن واحد، مثل قضايا المرأة، الجهاد، الردة، الإرهاب، السلفية والتطرف، وهي موضوعات تم تشويهها عبر العصور وتزداد خطورة هذا التشويه في المرحلة الراهنة من تطور العلاقات الدولية حيث وسائل الاتصال الحديثة السريعة، وأدوات التواصل الاجتماعي تنشر الأفكار والمعلومات بسرعة بغض النظر عن مدى مصداقيتها، وهذا يعمق التفاهم من ناحية، ويعمق الصورة المشوهة عن الإسلام من ناحية أخرى. وإنني أقول دائماً أن الدبلوماسية المعاصرة ليست دبلوماسية رسمية فحسب، بل هي دبلوماسية ثقافية حضارية وإن اختيار الدبلوماسي يجب أن يخضع لمعايير جديدة تساير العصر وأوضحت ذلك في كتابي عن “الدبلوماسية والاستراتيجية والبروتوكول”، إنه للأسف مازال بعض الدبلوماسيين العرب والمسلمين يتم اختيارهم وتثقيفهم بمعايير تقليدية، لذلك لا يستطيعون مواكبة العصر بفكره ومتغيراته الكثيرة والملاحقة. من هنا فإن مبادرة أمين عام منظمة التعاون الإسلامي جاءت لتملأ فراغاً دبلوماسياً وثقافياً في التعامل مع الصينيين، فله ولمركز أبحاث التاريخ والفن والثقافة التابع للمنظمة كل التقدير على ذلك ولقد وجهت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية دعوة لسفراء الدول الإسلامية في بكين لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، ولكن للأسف لم تحضر منهم سوى قلة محدودة لا تزيد عن خمسة عشر سفيراً من الـ 57 سفيراً الممثلين لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي ومعظمهم معتمدون في بكين.
في تقديري، إن مثل هذه المؤتمرات كفيلة بدحض حجج المهاجمين للإسلام ورسوله وإنه تعبير عن حوار حضاري راقٍ وليس مطلوباً ولا ممكنا من المسلمين أو العرب أن يردوا على كل من ينتقد الإسلام بأسلوبه أو بأسلوب عنيف، فهذا ليس من طبائع الإسلام ولا يليق بدعوته للسلم والتعاون والتعارف بين بني البشر، وإن في قوله تعالى “ادفع بالتي هي حسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، خير مرشد سلوك المسلمين تجاه من ينتقدونهم أو ينتقدون الإسلام أو ينتقدون الرسول ولن يستطيعوا تغيير الآخرين فكرياً وسلوكياً، ولكنهم يستطيعون التحاور معهم بالحسنى، وذلك اقتداء برسولهم الكريم الذي وصفه الله سبحانه وتعالي بقوله “وإنك لعلى خلق عظيم”، وبقوله “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”، ومن ثم نترك غلاظ القلوب وشأنهم ولندعو ونوضح الإسلام بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة، كما أمرنا الله سبحانه وتعالي.
أما التهور والاعتداء على السفارات وغيرها فسوف يجر علينا العواقب الوخيمة وسوف يدرك الآخرون نقاط ضعفنا ويتلاعبون بأعصابنا وبعقولنا ولن نستطيع المقاومة، فهذا كالثور الذي يدور في الساقية وهو معصوب العينين وبدون تفكير إلا من خلال رد الفعل المنعكس مثل نظرية بافلوف في هذا الصدد وبدون فائدة حقيقية لنا.
ختاماً فإنني أتمنى لهذه المبادرة العلمية المتميزة الاستمرار والتعمق في موضوعات ذات بعد مستقبلي بعد أول مؤتمر بأبعاده التاريخية والفلسفية التي غطتها أعمال هذه الدورة الأولى للمؤتمر.