عندما يفاجأ الصائمون في فجر أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك بأعمدة الدخان الأسود الكثيف المنبعثة من إطارات السيارات ترتفع في بعض مناطق البلاد، وعندما ينتشر إعلان لجمعية الوفاق (الإسلامية) يدعو إلى عدم التوقف وتأكيد حق التظاهر والخروج في مسيرات في 25 منطقة من مناطق البحرين في أول رمضان، وتؤكد على أنهم (ثابتون على العهد) وتحرضهم على الخروج، وعندما لا يراعي هؤلاء الشاربون مقلباً في أنفسهم حرمة شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، ولا يهمهم إن استنشق الصائمون الدخان المنبعث من تلك الأداة الإجرامية (التواير) أو المنبعث من قنابل مسيلات الدموع التي يضطر رجال الأمن إلى استخدامها حسب القانون، عندما يحدث كل ذلك فإنه يعني باختصار أنها «نحاسة» وتعبير عن قصر نظر وعن إحساس بالضعف والهزيمة يشعر به ذلك البعض، حيث القوي لا يلجأ إلى هذه الأساليب مستغلاً شهر الله ومتخذاً عباد الله جسراً للوصول إلى أهداف ظلت ردحاً من الزمن خافية قبل أن «ينكشف كل شيقن.. ويبان»!
وزارة الداخلية التي منعت تلك المسيرات التي لا يمكن لعاقل إلا أن يقول عنها إنها في غير وقتها، ويقول عن الداعي إليها إنه «ما عنده سالفة»، اعتبرت أن الوفاق تريد استهداف الشوارع وإحداث فوضى، بينما اعتبرها الناس جميعاً أنها تبحث عن التأزيم وتعقيد المشكلة وإحراج الدولة، حتى وإن جاء ذلك على حساب فرحة الناس بقدوم شهر رمضان (الهدف هنا نفسي وهو أن تشعر الدولة في قرارة نفسها أنها هي السبب وراء هذا الذي يجري وإقناع العامة أن الهدوء الذي ينشدونه لن يحدث طالما أن الدولة «لا تنصاع» لهذه المجموعة التي لا يهمها إن صام الناس صح أو حتى ما صاموا).
يوم الجمعة الفائتة «سنّت» السوسة الإيرانية أسنانها واستضافت عدداً من المتورطين في هذه الدعوة وشحنتهم بطريقة مكشوفة، ومن خلالهم سعت إلى شحن الآخرين لكسب التعاطف وتبرير تلك المسيرات غير المراعية لشهر الله، فقالت وقالوا وبالغت وبالغوا لكن كل هذا لم يجدِ، فالناس الذين تضرروا من ذلك الفعل غير المسؤول لا يمكن أن يقبلوا بتلك التبريرات ولعلهم قالوا «يلعنها حرية التي تطالبون بها ويلعنها ديمقراطية».. التي تجعل صيامهم غير مستقر وربما مشكوكاً فيه إن استنشقوا أي نوع من أنواع الدخان.
ما حدث يوم الجمعة من «نحاسة» أريد منه أيضاً تصوير مقاطع لرجال الأمن وهم يطبقون القانون فيسارعوا إلى عرضها عبر مختلف الوسائل الإعلامية والقول إن النظام يقمع المتظاهرين السلميين وإنه لا يراعي حتى شهر الله! فهم يسعون إلى توصيل الصورة إلى الرأي العام العالمي، لكن بعد تجييرها لصالحهم عبر عكس الحقائق لتبدو السلطة أنها هي التي «تعيل» وأنها هي التي تناحس وتقمع حق المتظاهرين في التعبير!
هم يعرفون أن العالم رقيق إلى الحد الذي يتأثر فيه بمشهد دخان مسيلات الدموع، ويعرفون أن العالم لن يسأل عن السبب ولكن يعتبره نتيجة لعدم استجابة السلطة لمطالب الناس ومنعهم من حقهم في ممارسة التعبير الذي يكفله الدستور والقانون. لكن ما لا يعلمه العالم -الذي لا بد وأن يكتشف اللعبة ذات يوم- هو أن النحاسة في حالة البحرين ليست من السلطة وليست من الناس أيضاً، لكنها من مجموعة صغيرة استمرأت التطاول لأنها صارت تعرف من أين تؤكل القوانين!
إن ما تعتمد عليه تلك المجموعة هو التأثير الذي لايزال يلف العالم بسبب التغيرات التي يشهدها فيما صار يعرف بالربيع العربي وبالصحوة، لكنها ستفاجأ بعد قليل كيف أن العالم لن يصدقها ولن يقبل منها بمجرد أن يصحو من تلك السكرة.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90