السياسة الخارجية البحرينية تنتقل من أقصى شرق الكرة الأرضية إلى شمالها، وتحديداً في العاصمة الفرنسية باريس بقمة تاريخية جديدة، تبدأ أهميتها في كونها أول زيارة لرئيس دولة خليجية في عهد الرئيس فرانسوا أولاند الذي تولى مقاليد الحكم في الإليزيه مؤخراً.
دائماً ما يتم الحديث عن الاعتدال السياسي عندما تتعلق المواقف بفرنسا، سواءً على صعيد السياسة الخارجية، أو حتى على صعيد السياسة الداخلية وإن ثار الجدل لدى الرأي العام الدولي بشأن بعض القضايا المحلية الفرنسية التي يتيح مناخ الحريات فيها هناك أجواء تساعد على اختيار ما ترغب به الأغلبية. ومع هذا الجدل يظل الاتفاق حول أهمية باريس في النظام الدولي اليوم.
زيارة العاهل لباريس لها أبعادها الاستراتيجية لأنها تأتي في وقت نهاية مخاض التحولات في منطقة الشرق الأوسط الذي بدأ بالربيع العربي في ديسمبر 2010، ومازالت أحداثه ساخنة. وإذا كانت تفاعلات السياسة في المنطقة تتمحور حول المصالح الأمريكية قبل الربيع العربي، فإنه من المستبعد أن تظل هذه التفاعلات مرتهنة بالسياسة الأمريكية، وهذه ليست قناعة خليجية، وإنما قناعة أمريكية بالدرجة الأولى بعد أن عكفت دوائر الأبحاث السياسية في واشنطن على دراسة ظاهرة تراجع النفوذ الأمريكي وإخفاق السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.
باريس حيث قلب القارة الأوروبية مازالت تمثل ثقلاً دولياً، وستظل رمزاً للاعتدال السياسي في كثير من القضايا وإن اختلف الرأي العام معها في أحايين عديدة. لنتعاطى معها على الأقل بحرينياً، حيث كانت مواقفها المتفهمة لعمق الأزمة التي شهدتها البحرين في 2011 في الوقت الذي أغلقت عواصم أخرى أعينها وتغاضت عن مفهوم الشراكة التاريخية والدولية القائمة بينها وبين المنامة لعقود طويلة.
رغم خروجه من قصر الإليزيه فإننا نتذكر تصريح الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي الذي قال فيه “إن ملك البحرين قدم ربيعاً سبق الربيع العربي بعشر سنوات”.
القمة البحرينية ـ الفرنسية تعطي مجالاً واسعاً نحو تعزيز العلاقات مع باريس في ظل وجود فرص كبيرة استثمارية وثقافية وحتى على صعيد الخبرات التقنية التي تحتاجها المنامة بعد الأزمة الأخيرة. ومثل هذه الخبرات ستضفي تنوعاً لاقتصاد ومجتمع البحرين الذي اعتاد منذ أكثر من 70 عاماً على الخبرات البريطانية والأمريكية فقط، والآن حان وقت تحرير السوق المحلية من احتكار الخبرات على دول بعينها، والسعي نحو مزيد من التنوع في مثل هذه الخبرات.
ونخلص إلى وضوح المشهد الدولي الذي رسمته السياسة الخارجية البحرينية منذ أبريل 2011 وحتى اليوم بانتقالها من التحالف الأحادي إلى جملة من التحالفات الدولية الأكثر توازناً وليست المتوازنة فحسب.