إن للمحسوبيات والواسطات وجوه وأشكال وأنواع، فهي اليوم ومن خلال صورها الجديدة، تعدَّتْ مسألة النسب والحسب، فأخذت أبعاداً مؤلمة جداً.
حين ترى غالبية الوجوه والألقاب التي تعمل في مؤسسة من مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص بكل أصنافه وأحجامه، لها علاقة قرابة أو دم بالمسؤول (العود)، فتأكد أنك في مكان يقطر بالواسطة والفساد، وهذه الحالة المستشرية نجدها في كل العالم العربي تحديداً، كذلك ربما نلمس هذا الأمر الكريه في البحرين فلا تستغربوا حينها.
هذا النوع من المحسوبيات هو البارز فوق السطح، وهو المشهور لدينا، لكن هناك نوع خفي من الواسطات، لكن مع الأسف الشديد، يحمل صبغة دينية ومذهبية واضحة.
هذا الأمر يتناقله الناس، وأصبح حديث الناس العاديين الذين ليس لهم علاقة لا بالسياسة ولا بالشأن الديني لا من قريب ولا من بعيد، كذلك لمست هذا الأمر أنا شخصياً.
ربما يعتبره البعض حديثاً ضد المتدينين، لكنه بكل تأكيد ليس كذلك، ومن المؤكد أيضاً أنه ليس محل تعميم، بل هو سلوك منحرف يقوم به من يدَّعي التديُّن.
ذكرت في إحدى مقالاتي قبل عامين تقريباً، أن هناك بعض المؤسسات الدينية السياسية من الطائفتين اختطفت الكثير من مؤسسات الدولة وهيئاتها والشركات الوطنية الكبرى في البحرين، فصارت تعرف هوية بعض الوزارات عند الناس بصورة غير قابلة للنقاش أنها وزارات شيعية وأخرى سلفية وبعضها ينتمي لجمعيات سياسية لها انتماءاتها الأخرى.
تدخل وزارة فتجد غالبية العاملين فيها من الشيعة وأخرى غالبيتهم من السنة، وهذا بالطبع لم يكن محض صدفة، كما إن هذا التجمع المذهبي في تلكم الوزارات ليس بريئاً، إنه العمل السياسي المصبوغ بالدين وجدنا إفرازاته ونتائجه على أرض الواقع.
عندما لا تنتمي لعقيدة الموظف ولا إلى مذهبه، فإنك لن تحصل على حسن المعاملة، كما إنك ربما لن تستطيع أن تخلِّصها إلا بعد (طَلَاع الرُّوح)، لأنك لست ملتحياً بالطريقة التي يلتحي بها الموظف!.
لأن الناس العاديين الأكثر تديناً من غيرهم لا يهتمون بإطلاق اللُحى، ولا يلبسون لباس المتدينين المجاهرين بتدينهم، فإنهم أحياناً لا يحصلون على حسن معاملة ولا على وجه بشوش، وإن كانوا عاطلين عن العمل، فإنهم بالجزم المشهود لن يحصلوا على وظيفة، لأنهم لا ينتمون لجمعية سياسية أو مذهبية، ولأنهم ليسوا كذلك، أطلقنا عليهم من قبل الأغلبية الصامتة.
المشكلة الأم هنا في عدم وجود رقابة عليا على التوظيف ولا على أداء الموظفين في القطاعين، ولهذا فالفساد ينخر نخراً في جسد تلك المؤسسات، وما تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية إلا نموذجاً صارخاً لديناصورات الفساد في البلاد.
لن يلزمني الملتحي أيَّا كان مذهبه وطائفته أن أكون مثله حتى ينجز معاملتي فأنا مواطن صالح، عليَّ من الواجبات والحقوق الشيء الكثير، كلها فروض وطنية أمارسها باحترام، لكن أن يلزمني الموظف كي يقوم باحترامي وأداء معاملتي بامتياز، في أن أكون منتمياً لعقيدته السياسية الدينية فهذا لن يكون، فأنا بحريني، أحترم القانون والنظام، ومن هنا يكون من واجب كل موظف أن يحترمني ويقوم بخدمتي على أفضل وجه لأنني أستحق ذلك.
ليس كل المتدينين كذلك، فبعضهم نرفع لهم القبعات احتراماً لأنهم ينطلقون من منطلق الوطنية، ومن منطلق المسؤولية الدينية غير المسيسة التي تعامل بني آدم وفق النظرية القائلة (الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، هؤلاء هم من نريدهم، وكثر الله من أمثالهم، أما المتدينون المتطرفون من السياسيين فهم وباء على مجتمعنا المدني، إذ لا يمكن أن ينهض بهم الوطن، مهما كانت قامته عالية
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90