في الحقيقة لست مخلوقاً تلفزيونياً، فلا أحب مشاهدة ومتابعة التلفزيون ولا أحب المشاركة فيه أيضاً، فالتلفزيون هو عدوي اللدود. لست أدري ما هو سر كرهي لهذا الجهاز، لكن من المؤكد أن من أهم الأسباب لدي انشغالي المستمر، ناهيك أنه أضحى من أكثر الوسائل التي تقتل الوقت بطريقة بشعة. أجمل ما فيه ربما مشاهدة الدوري الإنجليزي، وبالتحديد مباريات فريقي المفضل مانشيستر يونايتد العظيم، وكذلك مباريات نادي ريال مدريد، أما بقية الأمور التي تعرض على الشاشة الفضية فلا تعدو في كونها أقبح أنواع الأمور التي تجرني نحو البلادة. شهر رمضان المبارك، وفي جوٍ أسريٍ جميل يجمعنا على مائدة الإفطار، أجلس مضطراً لمشاهدة التلفزيون تمشِّياً مع رغبات الأبناء والمدام، وتستمر المشاهدة الإجبارية حتى بعد الإفطار، فأجلس معهم متسمِّراً أشاهد ما لا يستحق المشاهدة، حتى أصاب بالغثيان فأقوم من مكاني أو ألتهي بأمر أكثر منه فائدة، هذا إن كانت في مشاهدة التلفزيون فائدة تُذكر. أكثر من عام ونصف العام مر على الربيع العربي، والمنطقة العربية تغلي وتضطرب، وكل شيء فيها يشي بالكثير من الفظائع. قتلى وجرحى وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية مزلزلة، وتقسيم قادم من شأنه تمزيق الوطن العربي، أما المستقبل فلا يعلم به إلا الله تعالى. في خضم هذه المشاهد المريعة يخرج علينا التلفزيون العربي بأسخف البرامج وأكثرها انحطاطاً، خصوصاً في هذا الشهر الكريم، ليعزز من قناعاتنا أن التلفزيونات العربية مستمرة في الانحدار نحو الهاوية. حتى النكت اللطيفة والابتسامة البريئة، التي كان يرسمها التلفزيون في شهر رمضان، لم تعد متوفرة اليوم، فكل البضاعة المعروضة لا تعدو سوى سخافات تلفزيونية، حتى صرنا نترحم على المسلسل الشهير درب الزلق، وعلى بسنا فلوس يا حسين، وهذا لحم كلب، وقصِّر حسك يا معوَّد. مشكلة التلفزيون العربي أنه لم يستطع مواكبة آخر التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة العربية، بل وجدناه يسير عكس الاتجاه الصحيح، فالأحداث في واد والتلفزيون العربي الفاشل في وادٍ آخر، مما يعني انقطاع المشاهد العربي عن واقعه المعاش إلى واقع ليس له علاقة بالواقع على الإطلاق، ومع ذلك نُصدم حين يطلقون على برامج السخف ببرامج الواقع!!. نحن نريد الترفيه والخروج من (مود) الصراعات والنزاعات العربية، لكن في إطار المعقول، وفي الحدود الأدبية المقبولة، لكن ما يقدمه التلفزيون العربي اليوم أثبت ضعف إدارة القائمين عليه من المحيط إلى الخليج، فلا استطاعوا مواكبة التطورات الحاصلة في المنطقة ولم يستطيعوا رسم الفرحة والأمل على وجه المشاهدين العرب، بل اختاروا أن يفتش الفرد العربي المفجوع عن قنوات أجنبية ربما تفهمه وتشعر بألمه وأمله. تلفزيونات يديرها مجموعة من التجَّار ليس أكثر من ذلك، أما إداراتها فتحركها رؤوس الأموال الفاجرة، فهي لا تملك رؤية ولا استراتيجية واضحة ولا بطيخ، بل تملك من الحسناوات والأموال ما يكفي لتغييب الوعي العربي برمته. مسلسلات (بايخة)، وبرامج هابطة، هذا هو التلفزيون العربي في رمضان، ونحن ضحاياه، فتقبل الله أعمالنا وصيامنا دون التلفزيون.