أهم شريحة يفترض أن يتم الاستماع إليها وتمنح أولوية الإنصات في البلد هم المواطنون، خاصة وأننا نكرر ونقول دائماً بأن المواطن البحريني هو أساس الحراك المجتمعي وهو مركز اهتمام الدولة وأن كل العمليات القائمة يجب أن تفضي لنتائج تصب لصالحه.

كل هذا الكلام جميل، لكن الأجمل منه لو طبق بشكل صحيح وعبر آلياته المفترض أن تفعل.

عديد من المواطنين يتواصلون مع وسائل الإعلام، وبعضهم يتحدث بنفسه عبر أثير الإذاعة والتلفاز، أغلب ما يعبرون عنه هو استياؤهم من تعطل كثير من الأمور حينما تصب في صالح الناس، يتذمرون من البيروقراطية في أجهزة الدولة، ويمتعضون من تعاطي السلطة التشريعية معهم.

مررنا بقرابة عشرة أعوام من العمل البرلماني، المفترض أنه قائم على إشراك الشعب والناس في اتخاذ القرارات مع الدولة عبر ممثليهم المنتخبين في المجلس التشريعي. لكن حينما نصل بعد هذه السنوات لنرصد تذمراً من الناس على أداء مجلس النواب، فإن ذلك يقودنا لمشكلة يجب ألا تمر مرور الكرام.

سأعرج على البرلمان هنا، إذ السؤال الذي مازال قائماً: هل الخلل في البرلمان نفسه، أم الخلل فيمن يصلون إلى البرلمان ويعجزون عن ترجمة تطلعات الناس، ويفشلون في إيجاد حلول لمشاكلهم؟!

إن كان القول بأن آليات العمل في البرلمان تمثل تحدياً للنواب، وأن هناك قيوداً وعراقيل أمامهم، هي المبررات التي يستند عليها كثير ممن وصلوا للمجلس وحصدوا استياء وانتقاد ناخبيهم، فإنها لا تخرج عن كونها “مخرج طوارئ” لمن يريد أن يداري فشله أو عجزه والتهائه بنفسه عن الناس.

في الفصل التشريعي الأول، قضى النواب غالبية دور الانعقاد الأول في تعديل لائحتهم الداخلية، ما يعني تطويعها لتناسب آلية عملهم ولتسهل عليهم الكثير من الإجراءات. بالتالي القول بأن نظام المجلس هو السبب في عرقلة تمرير الأمور هو مبرر لا يمكن القبول به منطقياً.

إن كان القول بأن مجلس الشورى له دور معطل في المقابل لكثير من مشاريع النواب، فإن الحلول في المقابل أسهل ما يكون. النواب يعرفون تماماً تأثير الإعلام، وهم أفضل من يلعبون به، تذكروا ما يفعلون إن أرادوا استهداف مسؤول أو وزير، أو حينما يصدر تقرير ديوان الرقابة المالية، وعليه بنفس الآلية يمكن تحريك المسألة بقوة وإثارتها إن كان بالفعل المجلس الآخر معطلاً للمشاريع، وهو ما لا نراه بشكل صريح، بل ما نراه هو عملية ضبط لبعض المقترحات المنفلتة التي بعضها ناتج عن مساعٍ للبهرجة الشخصية والتمهيد للانتخابات القادمة.

إن كانت الدولة غير متعاونة، فما يضير أربعين نائباً أن يقفوا موقفاً واحداً ضد عدم التعاون هذا، حتى لو وصلت للاستقالة الجماعية؟! رغم أن الحقيقة واضحة، فالحكومة دائماً ما تؤكد على التعاون الوثيق بين السلطتين، تبقى العملية في الإجراءات بشأن المشاريع المقدمة وقابلية تحقيقها من عدمها.

إن كانوا يقولون بأن هناك ملفات لا يمكن تحريكها، فإننا نستغرب عجز أربعين نائباً عن التوحد بموقف واحد لتمرير هذه الملفات الهامة أو حلها بشكل مؤثر. منذ ثمانية أعوام لو أجمع كل النواب معاً على زيادة الرواتب ومرروا المشروع بالإجماع، وبنفس الطريقة لو تعاملوا مع ملف الإسكان، وبنفس الطريقة أيضاً لو تعاملوا مع الاستجوابات ومحاربة الفساد، أتظنون بأن أي شيء من هذه الملفات لم يتحقق حتى الآن؟!

عودة للمواطن الذي مازال غير مقتنع بأداء النواب، وغير مقتنع أكثر بالمبررات التي تساق حينما يتحدث الناس ويقيّمون أداء من أوصلوهم للكراسي.

من حق الناس أن تحاسب النواب، خاصة أولئك الذين طالعوهم بوجوه بشوشة وفتحوا أبوابهم وخطوط هواتفهم خلال الحملة الانتخابية، ثم بعد الوصول لـ«الكرسي” تغيرت معالم الوجه وأغلقت الأبواب وتبدلت الأرقام الهاتفية.

من حق الناس أن تعيد جلب الشعارات والوعود الانتخابية ووضعها أمام النائب ومساءلته عنها. ماذا حققت منها؟! وإن لم تحققها بعد، فمتى تنتظر؟! أربع سنوات من أجل الخمسين بالمائة من الراتب التقاعدي، أم ثمانية سنوات لأجل الثمانين بالمائة؟!

أحد المواطنين طلب منى إيصال فكرة يفترض أن تكون ممارسة أصلية للمواطن بشأن تأثير مجلس النواب عليه وتتعلق بمنحه حقه المطلق بمحاسبة النائب الذي يمثله، خاصة وأننا نقول بأن الشعب يشارك في صنع القرار مع الحكومة باعتبار أن نوابه الذين اختارهم يفعلون، لكن أغلب النواب لا يستمعون لرأي الناس فيهم، بالتالي كيف يمكن أن يشركوهم في صناعة القرار؟! وفي جانب آخر كيف يمكن أصلاً للناخب محاسبة نائبه؟!

الفكرة بأن تعقد مؤتمرات دورية تقوم على آلية المناظرات بين الناس والنواب، يلزم من انتخبهم الشعب بحضورها وبالإجابة على تساؤلات ناخبيهم مباشرة وفي العلن، هذه المؤتمرات والمناظرات يمكن أن تقام بشكل سنوي، لكنني أرى أن في حالتنا البحرينية يفترض أن تقام شهرياً بحسب الآلية الممكنة لتجميع الناس ومواجهتهم بنوابهم.

يقول المواطن صاحب الفكرة إن هذه المناظرات يكون هدفها محاسبة النواب وتوجيههم التوجيه الصحيح ومحاسبتهم بشكل علني بدلاً من التذمر من أداء الضعيف منهم وعدم الصبر عليه حتى يكمل الأربع سنوات المقررة عليه حتى وإن اقتضى الأمر استقالته.

إقامة مثل هذه المؤتمرات أو المناظرات من قبل جمعيات المجتمع المدني لن تكون ذات نفع أو جدوى لاعتبارات عدة، أهمها انتماءات النواب لكتل لتمثل جمعيات سياسية، بالتالي لن تقوم جمعيات تدرك بأن لديها نائباً ضعيفاً هنا أو آخر خاملاً هنا بـ«فقء” عينها بإصبعها، وإن أقامها الناس فمن السهل التنصل من حضورها، بل الأجدى أن تعقد من قبل مجلس النواب نفسه بصفة الإلزام، أو أن يضاف تشريع في آلية عمل المجلس تتعلق بإشراك الناس مشاركة فعلية في عمله، ومنحهم حق المحاسبة مثلما للنواب حق محاسبة الدولة.

كل شخص فينا لو قام بمسح شعارات نائبه البرلماني خلال الفترة الانتخابية لخلص إلى شعار أو اثنين أو حتى عشرة لم يحققها النائب الذي منحه صوته حتى الآن، وعليه لا يمكن السكوت عن عملية “الخداع” هذه، نعم أسميها خداعاً، إذ أساس الصدق والشفافية والوضوح يقتضي بألا تعد الناس بما لا يمكنك تحقيقه، وإن فعلت فأنت تكذب عليهم وتضللهم.

في دائرتي الانتخابية قال النائب الذي يمثلها خلال الانتخابات بأنه سيحارب الفساد والمفسدين ولن يقبل باستمرارهم في مناصبهم دون محاسبة ومساءلة. فقط أقول “صح النوم”، فتقرير ديوان الرقابة الأخير دخل موسوعة “جينيس” لضخامته، في المقابل ولا حتى مسؤول صغير ثبت عليه الفساد الإداري والمالي تمت محاسبته.

يبدو أننا بحاجة لتقرير خاص ببعض النواب نرصد فيه عدد شعاراتهم ووعودهم في مقابل عدد ما تحقق منها وما “تبخر” منها، وما أكثر ما “تبخر”!