المصالحة الوطنية، التي تتردد الآن أصداؤها في كل مكان، ما هي إلا جملة قصيرة صغيرة، تتركب من كلمتين، هذه الجملة تحلم أن تتحول إلى فعل يومي يمارسه الجميع دون استثناء، جملة كبيرة في معناها وتنظر إلى أفق غير محدود، لإعادة الحراك الاجتماعي قبل الأزمة التي مرت بها البحرين في الرابع عشر من فبراير عام 2012.
ولكن قبل أن تتحول هذه الجملة إلى واقع معاش، لابد من العروج إلى مفهوم التصالح مع الذات، فأنت لا تستطيع أن تتصالح مع الآخرين، إن لم تستطع التصالح مع ذاتك أولاً بمعنى أن تحب نفسك كما أنت، وتتقبل شكلك كما هو عليه، أقوالك تعكس أفكارك، وأفعالك تمتد إلى سلوكك في التعامل مع الآخرين أمثالك.
أي أن تكون أنت كما أراد لك الله أن تكون، على حرية الآخرين لا تتعدى، من مذاهبهم لا تسخر. شتماً لا تشتم من يختلف معك في الرأي، قولك ينسجم مع فعلك، حيث الدين لله والوطن للجميع، لا فرق بين البشر إلا بالتقوى.
إن وصلت إلى هذه الحالة من التصالح والذات، ستجد نفسك قادراً على التصالح مع الآخرين، حتى لو قمت بإيذائهم أو العكس، موقناً أن الهداية والمحبة والتراحم من الله سبحانه تعالى، والأخطاء منك وحدك.
حينما تحب نفسك وتحب ما أنت عليه، بالضبط كما تحب القطرة نفسها، والأشجار أوراقها، والطيور أشكالها، ستقدر أن تحب الآخرين كما هم عليه، بأشكالهم وأعراقهم وألوانهم ولغاتهم وأجناسهم.
وإن كنت منتمياً إلى جماعة ما، أو طائفة أو أيدلوجية ما، فهذا لا يعني أن كل ما تقول الجماعة على حق، فأكثر أنواع الدمار حينما يقود هذه الجماعة فرد يتصور نفسه دائماً على حق، وأكثر ما يمكن أن تصاب به المجتمعات، اختلافات الرأي على قضايا قارة، لا تحتاج إلى اختلافات، بقدر ما تحتاج إلى البحث عن أماكن التوافق، والتي تعني لنا في هذه المرحلة، النظر إلى المصلحة العليا لجميع المختلفين في الرأي والتوجه والهدف. وإذا ما فكر أي منا بالمصلحة العليا للمجتمع الذي إليه ننتمي، وإذا كان متصالحاً مع ذاته، سيرى أن التنازل عن أقواله وتصرفاته الماضية، هي الخطوة الأولى نحو مجتمع خال من الرغبات الفردية .
كل ما يحتاجه الواحد منا، هو الابتعاد قليلاً عن سطوة الوسط الذي يحيط به، والنظر إلى الأمور بمنظار مصلحة الكل، قبل مصلحة الفرد. لإعطاء العقل شيئاً من الهدوء. في الهدوء تتكون الأشياء، البذرة تتجه إلى الأعلى حيث امتداد السماء، والقلب المحب يتجه إلى الخالق، حيث المحبة والرحمة والتسامح.
المصالحة الوطنية تبدأ أولاً بالتصالح مع الذات. لنذهب عميقاً إلى داخل أنفسنا، نقف أمامها، ننظر إلى مرآة العقل. ونحدثها، هل أنا هذه الصورة التي يراني بها الناس، أم أنا الفطرة والجوهر الإلهي الذي لا يمكن أن يراه الناس.
أنا أحب نفسي وأتقبل ما أنا عليه. وأتقبل كل الأفكار والآراء التي تختلف معي، من أجل أن أواصل إعمار الأرض التي استخلفني الله عليها.