يتجدد كل فترة الحديث عن «الحوار» الوطني، باعتباره الأفق الوحيد لحل الأزمة السياسية والأمنية الخانقة والخروج من حالة الاستنزاف السياسي والأمني والاقتصادي المتواصل منذ أكثر من سنة ونصف دون حلحلة، ويأتي هذا التجدد في تقديري، من القناعة بحتمية الحوار الوطني الجاد والصادق في مواجهة خياري الجمود أو الصدام، فقد انبنت تلك الدعوة على تحليل مفاده أن تفاقم الوضع هو نتيجة لحالة «الجمود السياسي» وعدم التقدم في فك عدد من ملفات سياسية معروفة ومعلنة منذ فترة طويلة، ولكن بعض الدعوات الأخرى، ومنها كتابات، وتصريحات كانت تشيد بالحوار وتدعو إليه، تراجعت اليوم ولم يعد لها إلا صوت باهت، حيث لا يبدو الحوار بمعناه الفكري والسياسي والإنساني يخطر ببالها أصلاً، فقد كان مجرد صيغة مغلفة لتغليف مطلب أو طي صفحة في الماضي، وقد تحقق العفو بكرم أوسع مما كان يتوقع، ومع ذلك ما تزال بعض من أصوات وأفعال تتم خارج «إيقاع» التئام الكلمة على حفظ السلم وتحقيق العدل والأمن للبلاد والعباد، غير عابئة بما تحقق، وغير عابئة بالتجربة الديمقراطية نفسها وبمآلاتها.
إن للحوار المجرد من العنف فضاءاته وأدواته وآلياته ومؤسساته، كالأحزاب والجمعيات والبرلمانات والمجالس وأجهزة الإعلام الحرة، فللإعلام الحر دور مساعد في جعل الحوار ممكناً ورشيداً «هذا إذا كان الإعلام نفسه حراً ورشيداً»، والحوار السياسي يقتضي بالضرورة وجود سياسيين محترفين «يستبعد من هذه المعادلة المهرجون والهواة والمجانين والمغامرون الجدد»، أما السياسي المحترف فيمتلك من الوعي السياسي والقانوني ومن القيم الأخلاقية والالتزام الوطني، ما يجعله مدركاً للعواقب ولشروط العمل السياسي وحدوده، ومؤمناً بضرورة الوصول إلى الحلول بالتفاوض السلمي، الذي يأخذ بالوزن السياسي العددي والمعنوي والأخلاقي للمجموعات السياسية، بل ويكون مستعداً للتراجع عن المواقف الخاطئة عندما يتبين خطؤها، أو عندما يتبين أن المصلحة العامة الوطنية تقتضي التنازل أو التراجع أو التسليم حتى بالحق نفسه.
ليست المشكلة إذن في الحوار نفسه حتى وإن بدا مستحيلاً في ظل غياب منطق المصلحة والاحتراف في السياسة، لكنَّ القضية الكبرى هي ما الذي سيُسفر عنه الحوار والنتائج المترتبة عليه عندما يكون المتحاورون أو المطالبون بالحوار «مغلقين»، وغير مستعدين للتحرك أصلاً، فهم يقدمون مرجعياتهم واجتهاداتهم على أنها قدس الأقداس، ومفاتيح السحر لكل الأزمات الراهنة والمستقبلية.
ويفترض «نظرياً على الأقل» أن يكون «الحوار الدائم أداة أساسية للتفاهم داخل المجتمع «الطبيعي»، وكل حوار في العمل السياسي العاقل يفضي بالضرورة إلى تسوية، والتسوية تكون في شكل حلول وسطى للوسطيين العقلاء.
في كل مرة يتجدد فيها الحديث عن الحوار الوطني تظهر موجة من الكتابات والتصريحات، تؤكد على الحاجة لمثل هذا الحوار الوطني بسبب تفاقم الوضع الأمني والسياسي، نتيجة لحالة «الجمود السياسي» وعدم التقدم في فك عدد من ملفات سياسية معروفة ومعلنة، ولكن بعض تلك الدعوات الأخرى، تعاني من ضيق في الأفق، لأنها تأتي ضمن موجة الضغط السياسي والإعلامي لإحراج السلطة لا أكثر ولا أقل، خصوصاً عندما توضع سلسلة من الشروط المسبقة، والتي من شأنها منع أو تعطيل أي فرص للحوار المفتوح بين أبناء الوطن، والدليل على ذلك أن تلك الكتابات التي كانت تشيد بالحوار وتدعو إليه، تراجعت فجأة خلال ازمة فبراير ومارس 2011، ولم يبقَ لها إلا صوت باهت، حيث لم يكن الحوار بمعناه الفكري والسياسي والإنساني وقتها يخطر ببالها أصلاً، فقد كان مجرد صيغة لتغليف الانقلاب على السلطة، وعلى التجربة الديمقراطية الوليدة، ولذلك كانت بعض تلك الأصوات تتم خارج التئام الكلمة على حفظ السلم الأهلي وتحقيق العدل والأمن للبلاد والعباد، غير عابئة بشيء.ومع ذلك فإننا نعتقد اعتقاد اليقين بان أي حوار- مهما كانت عوائقه- هو أفضل من اللاحوار، لأنه على الأقل سيكون فرصة للاستماع المتبادل بدلاً من تبادل الاتهامات واللكمات، ويكون فرصة لالتقاط الأنفاس والنظر في مدى جدية كل طرف في إخراج البلد من الأزمة، فدعونا نتحاور وسوف تتضح الصورة، وكل طرف يضع أسئلته ومطالباته وتطلعاته المشروعة وغير المشروعة على الطاولة، المهم أن نتحاور، فالحوار مطلوب لذاته.
إن للحوار المجرد من العنف فضاءاته وأدواته وآلياته ومؤسساته، كالأحزاب والجمعيات والبرلمانات والمجالس وأجهزة الإعلام الحرة، فللإعلام الحر دور مساعد في جعل الحوار ممكناً ورشيداً «هذا إذا كان الإعلام نفسه حراً ورشيداً»، والحوار السياسي يقتضي بالضرورة وجود سياسيين محترفين «يستبعد من هذه المعادلة المهرجون والهواة والمجانين والمغامرون الجدد»، أما السياسي المحترف فيمتلك من الوعي السياسي والقانوني ومن القيم الأخلاقية والالتزام الوطني، ما يجعله مدركاً للعواقب ولشروط العمل السياسي وحدوده، ومؤمناً بضرورة الوصول إلى الحلول بالتفاوض السلمي، الذي يأخذ بالوزن السياسي العددي والمعنوي والأخلاقي للمجموعات السياسية، بل ويكون مستعداً للتراجع عن المواقف الخاطئة عندما يتبين خطؤها، أو عندما يتبين أن المصلحة العامة الوطنية تقتضي التنازل أو التراجع أو التسليم حتى بالحق نفسه.
ليست المشكلة إذن في الحوار نفسه حتى وإن بدا مستحيلاً في ظل غياب منطق المصلحة والاحتراف في السياسة، لكنَّ القضية الكبرى هي ما الذي سيُسفر عنه الحوار والنتائج المترتبة عليه عندما يكون المتحاورون أو المطالبون بالحوار «مغلقين»، وغير مستعدين للتحرك أصلاً، فهم يقدمون مرجعياتهم واجتهاداتهم على أنها قدس الأقداس، ومفاتيح السحر لكل الأزمات الراهنة والمستقبلية.
ويفترض «نظرياً على الأقل» أن يكون «الحوار الدائم أداة أساسية للتفاهم داخل المجتمع «الطبيعي»، وكل حوار في العمل السياسي العاقل يفضي بالضرورة إلى تسوية، والتسوية تكون في شكل حلول وسطى للوسطيين العقلاء.
في كل مرة يتجدد فيها الحديث عن الحوار الوطني تظهر موجة من الكتابات والتصريحات، تؤكد على الحاجة لمثل هذا الحوار الوطني بسبب تفاقم الوضع الأمني والسياسي، نتيجة لحالة «الجمود السياسي» وعدم التقدم في فك عدد من ملفات سياسية معروفة ومعلنة، ولكن بعض تلك الدعوات الأخرى، تعاني من ضيق في الأفق، لأنها تأتي ضمن موجة الضغط السياسي والإعلامي لإحراج السلطة لا أكثر ولا أقل، خصوصاً عندما توضع سلسلة من الشروط المسبقة، والتي من شأنها منع أو تعطيل أي فرص للحوار المفتوح بين أبناء الوطن، والدليل على ذلك أن تلك الكتابات التي كانت تشيد بالحوار وتدعو إليه، تراجعت فجأة خلال ازمة فبراير ومارس 2011، ولم يبقَ لها إلا صوت باهت، حيث لم يكن الحوار بمعناه الفكري والسياسي والإنساني وقتها يخطر ببالها أصلاً، فقد كان مجرد صيغة لتغليف الانقلاب على السلطة، وعلى التجربة الديمقراطية الوليدة، ولذلك كانت بعض تلك الأصوات تتم خارج التئام الكلمة على حفظ السلم الأهلي وتحقيق العدل والأمن للبلاد والعباد، غير عابئة بشيء.ومع ذلك فإننا نعتقد اعتقاد اليقين بان أي حوار- مهما كانت عوائقه- هو أفضل من اللاحوار، لأنه على الأقل سيكون فرصة للاستماع المتبادل بدلاً من تبادل الاتهامات واللكمات، ويكون فرصة لالتقاط الأنفاس والنظر في مدى جدية كل طرف في إخراج البلد من الأزمة، فدعونا نتحاور وسوف تتضح الصورة، وكل طرف يضع أسئلته ومطالباته وتطلعاته المشروعة وغير المشروعة على الطاولة، المهم أن نتحاور، فالحوار مطلوب لذاته.