إذا ما صحت التصريحات المنسوبة إلى الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الإسلامية في اللقاء المفتوح في البلاد القديم في 13 أغسطس والمنشورة في صحيفة الوسط في عدد تاريخ 15 من نفس الشهر، فإنه بالإمكان -على مستوى ظاهر الخطاب على الأقل- أن نلمس بعض التطور في الخطاب السياسي المرتبط بالأزمة المركبة التي تعيشها البحرين في أكثر من جانب. فأين يظهر هذا التطور في الخطاب تمهيداً لحوار وطني حتمي وضروري في المرحلة المقبلة؟.
المراجعة لما تضمنته المداخلة المشار إليها من تأكيدات “يفترض أنها تعبر عن التوجه العام للمعارضة، وليس عن مجرد آراء شخصية” يمكن أن يسجل عدداً من النقاط التي يمكن اعتبارها مقدمة تعبر عن بداية تعديل في الخطاب المعارض، ربما استجابة للعديد من الملاحظات النقدية التي طالما جوبه بها هذا الخطاب في المرحلة السابقة “الأحادية- الغرور- التعالي- الإرادية- التعجيزية- ادعاء التمثيل العام للشعب- الهروب إلى الاستعانة بالخارج..”.
ومن بين هذه المؤشرات الإيجابية ما يتعلق بالقبول بحوار يشارك فيه الجميع وبدون شروط مسبقة، والتوقف عن الجري المستميت لإدخال العامل الخارجي في المعادلة الداخلية، وكذلك التوقف عن الادعاء بأن المعارضة هي من تمثل شعب البحرين، حيث قال الشيخ علي سلمان “أن الحل المحلي هو الأنجع للوطن”، وأنه يؤيد حواراً حقيقياً متكافئاً يُنصف كل البحرينيين يشارك فيه كل البحرينيين”. وأن هذا الحوار “يجب أن يكون متكافئاً ونكون كلنا فيه على درجة واحدة، ولا يحق لجهة محددة أن تدعي أنها تمثل كل شعب البحرين”. وأن المعارضة “ممثلة لجزء من شعب البحرين، وتتفاوض في أزمة سياسية وتريد أن نصل إلى توافق سياسي جديد يخدم كل أبناء البحرين”.
وبالرغم من أن سلمان قد عاد في نفس المداخلة ليضع شروطاً أخرى لهذا الحوار، مثل أنه “يحتاج إلى ضمانات، ويحتاج إلى موافقة شعبية على مخرجاته”، وبالرغم من أنه ظل يبرر الزج بالعامل الخارجي في الشأن الداخلي في قوله إن “المجتمع الدولي مطلوبٌ منه دورٌ لإيقاف العنف ضد المحتجين، وننتظر موقفاً سياسياً يُنصف حقوق المواطنين”، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الخطاب قد كشف عن بداية إدراك لعدد من الحقائق فرضها الواقع على الأرض وميزان القوى الفعلي، وهي على درجة كبيرة من الأهمية توصل إليها الخطاب المعارض بعد طول مناكفة وعناد وتنكر، ومن ذلك:
- إنه لا مناص من الحوار الوطني الذي يشارك فيه الجميع على قدم المساواة، بعكس ما كان يقال في السابق من أن الحوار” يجب أن يقتصر على جمع المعارضة والسلطة حصرياً، لأن الموالاة لا وزن لها على صعيد حل الأزمة”. “هكذا كان يقال صراحة”.
- إن المعارضة لا تمثل إلا جزءاً من الحراك السياسي الوطني، قد يكون مهماً، ولكنه لا يعبر إلا عن جزء من المواطنين وليس تمثيل الشعب قاطبة مثلما كانت تدعي المعارضة في السابق.
- إن المعارضة مع الحل المحلي، بل وتعتبره الخيار الأنجع للوطن “هكذا”، بما يؤمن في النهاية حواراً وطنياً توافقياً، دون ضغوط خارجية، في حين كانت المعارضة في السابق تلح على تواجد العنصر الخارجي ليكون ضاغطاً على السلطة، بل وضامناً لأي اتفاق سياسي.
ولكن الملاحظ أن ما يقوله الشيخ علي سلمان في كل نقطة من هذه النقاط المشار إليها يكاد يلغيه في نقطة مقابلة، حتى أنه بالإمكان عمل جدول مقارن بين كل نقطة والنقطة التي تقابلها، الأولى تؤكد والثانية تكاد تلغي ما أكدته، بما يشير إلى وجود تردد وقلق ناتجين عن الوقوع تحت نوعين متناقضين من الضغوط: الأول يدفع نحو التوافق والحوار وما يقتضيانه من تبادل للتنازلات، والثاني يدفع باتجاه التمسك بـ “ثوابت” الخطاب المعارض مع تعزيزه بالدفع نحو المزيد من التصعيد الذي يستدعي المزيد من الضحايا، الذي يستدعي مواصلة حالة التوتر الدائم للإيحاء بأن “الاحتجاجات مستمرة”، وبذلك نستطيع القول إن هنالك تطوراً شكلياً في الخطاب يحاول استيعاب الانتقادات، أكثر منه تطوراً جوهرياً في المضمون.
فعند الحديث عن الحوار غير المشروط، يضع في مقابله شروطاً سياسية تتعلق بالمضمون النهائي للمعالجة السياسية وسقفها، وهي تحقيق جميع مطالب المعارضة ضمن أجندة كاملة وتفصيلية تعرض على الاستفتاء العام، وبذلك يضع سلمان نقطة البداية للحوار ونقطة النهاية له كمسطرة لا حياد عنها.
وعندما يتحدث عن أن الحل الوطني المحلي وأنه هو الأنجح، فإنه في المقابل يتحدث عن “أن البحرين بحاجة إلى مساعدة لإيجاد الحل السياسي فيها، لأن درجة الثقة بين الأطراف منعدمة”! وأن”أي نوع من الاتفاق يحتاج إلى ضمانات وأطراف مشاركة لإنجاحه، وضمانات منها الإشراف الدولي ليتم الرجوع إليه عند الاختلاف في التطبيق”، بما يعني استدعاء العامل الخارجي مجدداً.
وفي الخلاصة لعل التطور الوحيد المهم في هذا الخطاب يتعلق بالإقرار بعدم تمثيلية المعارضة للشعب، كما كان يقال في السابق بشكل مطلق، والإقرار بأن أي حوار يجب أن تشارك فيه جميع الأطراف السياسية بشكل متكافئ، ومع ذلك يظل السؤال معلقاً: هل هنالك بالفعل تطور في مضمون خطاب المعارضة ينم عن مراجعة جوهرية لمجمل الموقف السياسي؟ أم أن هذا التطور الشكلي هو مجرد محاولة جديدة لإعادة صياغة نفس المطالب والأفكار القديمة بلغة تشي بالاستجابة للانتقادات والضغوط؟
المواقف العملية على الأرض هي التي سوف تجيب على هذه التساؤلات والشكوك، وإن كنا نتطلع إلى أن يكون هنالك تطور في الخطاب والممارسة معا بما يساعد على تمهيد الطريق لحوار توافقي يطوي صفحة الأزمة التي طالت أكثر من اللازم.
{{ article.visit_count }}
المراجعة لما تضمنته المداخلة المشار إليها من تأكيدات “يفترض أنها تعبر عن التوجه العام للمعارضة، وليس عن مجرد آراء شخصية” يمكن أن يسجل عدداً من النقاط التي يمكن اعتبارها مقدمة تعبر عن بداية تعديل في الخطاب المعارض، ربما استجابة للعديد من الملاحظات النقدية التي طالما جوبه بها هذا الخطاب في المرحلة السابقة “الأحادية- الغرور- التعالي- الإرادية- التعجيزية- ادعاء التمثيل العام للشعب- الهروب إلى الاستعانة بالخارج..”.
ومن بين هذه المؤشرات الإيجابية ما يتعلق بالقبول بحوار يشارك فيه الجميع وبدون شروط مسبقة، والتوقف عن الجري المستميت لإدخال العامل الخارجي في المعادلة الداخلية، وكذلك التوقف عن الادعاء بأن المعارضة هي من تمثل شعب البحرين، حيث قال الشيخ علي سلمان “أن الحل المحلي هو الأنجع للوطن”، وأنه يؤيد حواراً حقيقياً متكافئاً يُنصف كل البحرينيين يشارك فيه كل البحرينيين”. وأن هذا الحوار “يجب أن يكون متكافئاً ونكون كلنا فيه على درجة واحدة، ولا يحق لجهة محددة أن تدعي أنها تمثل كل شعب البحرين”. وأن المعارضة “ممثلة لجزء من شعب البحرين، وتتفاوض في أزمة سياسية وتريد أن نصل إلى توافق سياسي جديد يخدم كل أبناء البحرين”.
وبالرغم من أن سلمان قد عاد في نفس المداخلة ليضع شروطاً أخرى لهذا الحوار، مثل أنه “يحتاج إلى ضمانات، ويحتاج إلى موافقة شعبية على مخرجاته”، وبالرغم من أنه ظل يبرر الزج بالعامل الخارجي في الشأن الداخلي في قوله إن “المجتمع الدولي مطلوبٌ منه دورٌ لإيقاف العنف ضد المحتجين، وننتظر موقفاً سياسياً يُنصف حقوق المواطنين”، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الخطاب قد كشف عن بداية إدراك لعدد من الحقائق فرضها الواقع على الأرض وميزان القوى الفعلي، وهي على درجة كبيرة من الأهمية توصل إليها الخطاب المعارض بعد طول مناكفة وعناد وتنكر، ومن ذلك:
- إنه لا مناص من الحوار الوطني الذي يشارك فيه الجميع على قدم المساواة، بعكس ما كان يقال في السابق من أن الحوار” يجب أن يقتصر على جمع المعارضة والسلطة حصرياً، لأن الموالاة لا وزن لها على صعيد حل الأزمة”. “هكذا كان يقال صراحة”.
- إن المعارضة لا تمثل إلا جزءاً من الحراك السياسي الوطني، قد يكون مهماً، ولكنه لا يعبر إلا عن جزء من المواطنين وليس تمثيل الشعب قاطبة مثلما كانت تدعي المعارضة في السابق.
- إن المعارضة مع الحل المحلي، بل وتعتبره الخيار الأنجع للوطن “هكذا”، بما يؤمن في النهاية حواراً وطنياً توافقياً، دون ضغوط خارجية، في حين كانت المعارضة في السابق تلح على تواجد العنصر الخارجي ليكون ضاغطاً على السلطة، بل وضامناً لأي اتفاق سياسي.
ولكن الملاحظ أن ما يقوله الشيخ علي سلمان في كل نقطة من هذه النقاط المشار إليها يكاد يلغيه في نقطة مقابلة، حتى أنه بالإمكان عمل جدول مقارن بين كل نقطة والنقطة التي تقابلها، الأولى تؤكد والثانية تكاد تلغي ما أكدته، بما يشير إلى وجود تردد وقلق ناتجين عن الوقوع تحت نوعين متناقضين من الضغوط: الأول يدفع نحو التوافق والحوار وما يقتضيانه من تبادل للتنازلات، والثاني يدفع باتجاه التمسك بـ “ثوابت” الخطاب المعارض مع تعزيزه بالدفع نحو المزيد من التصعيد الذي يستدعي المزيد من الضحايا، الذي يستدعي مواصلة حالة التوتر الدائم للإيحاء بأن “الاحتجاجات مستمرة”، وبذلك نستطيع القول إن هنالك تطوراً شكلياً في الخطاب يحاول استيعاب الانتقادات، أكثر منه تطوراً جوهرياً في المضمون.
فعند الحديث عن الحوار غير المشروط، يضع في مقابله شروطاً سياسية تتعلق بالمضمون النهائي للمعالجة السياسية وسقفها، وهي تحقيق جميع مطالب المعارضة ضمن أجندة كاملة وتفصيلية تعرض على الاستفتاء العام، وبذلك يضع سلمان نقطة البداية للحوار ونقطة النهاية له كمسطرة لا حياد عنها.
وعندما يتحدث عن أن الحل الوطني المحلي وأنه هو الأنجح، فإنه في المقابل يتحدث عن “أن البحرين بحاجة إلى مساعدة لإيجاد الحل السياسي فيها، لأن درجة الثقة بين الأطراف منعدمة”! وأن”أي نوع من الاتفاق يحتاج إلى ضمانات وأطراف مشاركة لإنجاحه، وضمانات منها الإشراف الدولي ليتم الرجوع إليه عند الاختلاف في التطبيق”، بما يعني استدعاء العامل الخارجي مجدداً.
وفي الخلاصة لعل التطور الوحيد المهم في هذا الخطاب يتعلق بالإقرار بعدم تمثيلية المعارضة للشعب، كما كان يقال في السابق بشكل مطلق، والإقرار بأن أي حوار يجب أن تشارك فيه جميع الأطراف السياسية بشكل متكافئ، ومع ذلك يظل السؤال معلقاً: هل هنالك بالفعل تطور في مضمون خطاب المعارضة ينم عن مراجعة جوهرية لمجمل الموقف السياسي؟ أم أن هذا التطور الشكلي هو مجرد محاولة جديدة لإعادة صياغة نفس المطالب والأفكار القديمة بلغة تشي بالاستجابة للانتقادات والضغوط؟
المواقف العملية على الأرض هي التي سوف تجيب على هذه التساؤلات والشكوك، وإن كنا نتطلع إلى أن يكون هنالك تطور في الخطاب والممارسة معا بما يساعد على تمهيد الطريق لحوار توافقي يطوي صفحة الأزمة التي طالت أكثر من اللازم.