رمضان طوى صفائحه وانقضت أيامه، مرت الأيام الجميلة أيام الرحمة صيام وقيام وقراءة القرآن، مضت والناس فريقان، فريق لم يدرك حقيقة الشهر وصرف الأوقات في غير ما شرع له، وفريق وفقه الله فاستغل أوقاته وعرف معنى الصوم وثمرته، وهو الآن يرجو من السميع العليم القبول.
أيهما كنت فإن الله مازال أمد في أعمارنا، لكن مهما طالت فإن للأجل آن “كل نفس ذائقة الموت” فالمبادرة إلى التوبة والإحسان فيما بقي من العمر.
وأما المحسن الذي اجتهد هذه الأيام فطرق أبواب الخير ونافس أهلها فليحمد الله فيما مضى ويحسن فيما بقي ولا يتنكب الطريق فيهدم ما بنها وينقض عرى ما أحكمه فيكون كالتي أخبر الله أنها: “ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً”، ومن مظاهر الحسنة وقبولها الحسنة بعدها.
وإن رب رمضان هو رب سائر الشهور، ولئن انقضى شهر الصيام فإن أبواب النفل مشرعة، ويقول صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر”.
المحسن يسأل الله أن يتقبل منه عمله، فقد قال الله عنهم: “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون”، قال مالك بن دينار: “الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل”، وقال عبدالعزيز بن أبي روّاد: “أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل أم لا”.
ولن كان قبول العمل من الأمور الغيبية إلا أن له علامات، فمن علامات قبول العمل الاستمرار والمداومة عليه بعدها، فثواب الحسنة الحسنة بعدها، وما رمضان إلى بداية، و«أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ”.
فيقبح على المسلم أن يبني صومه ويجمله ويزينه بقيام وقراءة قرآن وصدقة حتى إذا قام على أركانه واشتد بنيانه عاد فهدم ما بناه ونقض ما شيده، فكان كهذه المرأة الخرقاء التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، فمن قصر عقلها أنها تنسج حتى إذا أبدعته وأحكمته نقضته ثم عادت لتغزل من جديد.