ظاهرة الفراغ السياسي كظاهرة حديثة بدأت في العراق عندما حدث الغزو الأمريكي خلال الربع الأول من العام 2003، في ذلك العام تضاربت المواقف العربية إزاء الإطاحة بالنظام العراقي لأسباب عدة تتعلق بشكل أساس بالمصالح العربية وراء التغيير السياسي المرتقب.
في تلك الفترة كان تركيز الدول العربية على كيفية التقليل من تداعيات الغزو، ولكن المفاجأة كانت في الفراغ السياسي الذي نتج عن الإطاحة بنظام البعث السابق، فلم تكن من ضمن أجندة الدول العربية البحث عن ملء الفراغ السياسي الناجم عن التغيير بالغزو، وهو ما ساعد على إدخال نفوذ سياسي هائل من طهران في النظام السياسي العراقي مازال باقياً حتى اليوم.
لاحقاً بعد نحو عقد من الزمن اندلعت الثورات الشعبية في العاصمة التونسية وكذلك القاهرة وصنعاء وطرابلس ودمشق، ومازالت الدول العربية تتحدث عن كيفية تقليل تداعيات التغيير السياسي، ولا يتم البحث في قضية ملء الفراغ السياسي.
دول الربيع العربي بدأت بالتحول الديمقراطي حسب رغبة شعوبها، وليس مهماً الآن البحث في من يملأ الفراغ السياسي، لأن هناك نخباً سياسية جديدة اعتلت قمة النظام من خلال صناديق الاقتراع سواءً اتفقنا معها أم اختلفنا لأنها ليس من شأن أحد سوى الشعوب التي أوصلت هذه النخب إلى سدة الحكم والرئاسة في هذه الدول.
اتصالاً بذلك نجد أن التحول المقبل سيكون في العاصمة السورية دمشق التي تشكل آخر مراكز الثقل السياسي في النظام العربي المعاصر، وحساسية وضعها الاستراتيجي أن سقوط نظام البعث الحاكم الآن سيؤدي إلى تغييرات جوهرية في تركيبة القوة السياسية على مستوى الشرق الأوسط. ولذلك تتدخل مجموعة من الأطراف الإقليمية والدولية لإطالة أمد الصراع العسكري والسياسي الدائر هناك، وكل طرف يتحفظ على التغيير المفاجئ في سوريا بسبب تأثيرات التغيير المرتقب في المنطقة على مصالحه.
لذلك فإن غياب خطط عربية لملء الفراغ السياسي في دمشق سيؤدي إلى تكرار السيناريو العراقي الذي تم في السنوات التي تلت العام 2003، ولن تكون النتائج أفضل مما هي عليه الآن. إذ من الممكن ـ وليس المستبعد تماماً ـ أن يمتد النفوذ الإيراني إلى النظام السياسي السوري الجديد بعد الإطاحة بالنظام الحالي، سواءً من خلال قوى سياسية معينة، أو من خلال التدخل بالشكل الذي يضمن ديمومة العنف والصراع الأهلي عسكرياً هناك.
ليس مطلوباً أن تتدخل الدول العربية وتحديداً المحورية منها بالذات في الشأن السوري، ولكن المطلوب عدم السماح لأطراف إقليمية أو دولية بالتدخل في الشأن السوري وتشويه إرادة الشعب السوري الذي ينبغي احترام إرادته كما احترمت إرادات الشعوب العربية الأخرى. لأن النظام الإقليمي العربي المنهار ليس بحاجة إلى دول عربية تابعة لدول الجوار الإقليمي أو التفاعلي.