كلما تعقدت خيوط السياسة فإن (جماعتنا بدو يخربطون)، فلا يعلمون ماذا يريدون، وليتهم يدركون إلى أين يسيرون، بل كل ما يفعلونه اليوم هي تصرفات غير مرتبة تسمى بالـ (خور والنجاب).
مرة يسبون أمريكا ومرة يغازلونها، ومرة يقفون مع هذا الطرف ومرة مع الطرف الآخر، وفي كل يوم لهم حكاية ورواية وقصة لا تنتهي، وفي النهاية تضيع مع ضياع بوصلتهم كل المجاميع التي تعلقت بأذيالهم، سواء كانوا من هذه الفئة أو من تلك الفئة، من هذا المذهب أو ذاك.
مرة يريدون دولة مدنية، ومرات يتحدثون عن دولة ديمقراطية، ومرة يطالبون بدولة تنوقراطية وليبرالية وكل ما يتعلق بالتاء المربوطة، وفي النهاية، هم يريدون دولة لها ملامح دينية صرفة تحكمها العقيدة الصلبة، فنكتشف أن كل ما يدَّعونه ويرفعونه من شعارات ديمقراطية ومدنية ما هي إلا مقدمات للدولة الدينية.
حتى لو كانت الدولة الدينية هي المُنجي الأفضل من الهَلَكَات، فإنه ينبغي لمن أراد أن يسعى لتحققها على الأرض أن يكون أكثر صراحة وواقعية، وأن يُعلم جماهيره وكل الناس أن هدفه هو إقامة دولة دينية والسلام، لكن أن يجعل من الدولة المدنية غطاءً وجسراً للوصول إلى دولته الدينية العقائدية فهذا أمر فيه كثير من التسلق والنفاق والقبح من السلوك.
حددوا أهدافكم قبل أن تسحبوا معكم الجماهير إلى وسط المعركة، عليكم أن تكونوا أكثر وضوحاً مع الناس قبل أن ينصدموا بشعاراتكم المدوية الفارغة من المحتوى والقيمة، فإما أن تواجهونهم بالحقيقة، وهي أنكم تسعون لإقامة دولة دينية وفق مذهب معين، أو أنكم تريدون دولة مدنية تحتضن الجميع.
نحن وإن كنَّا نتحفظ على إقامة دولة دينية، خصوصاً برسم الوجوه المخربطة والتائهة ممن هم حولنا في البحرين وكل الوطن العربي، إلا أن الإعلان عنها قبل المشي إلى الأمام خطوة واحدة يعطيهم ويعطينا وضوح رؤية، فهذا الأمر خير من أن يقوموا بجعل الدولة المدنية مطيَّة للدينية.
إن الدولة المدنية تقوم على التسامح والعدل والمساواة واحترام الآخر والسلام والتعددية السياسية والثقافية والمجتمعية، كما تقوم بحماية طبقات المجتمع، بغض الطرف عن الهوية والنسب، فتحمي حقوقه وتلقي عليه واجباته، فلا تعترف إلا بالمواطنة الصالحة واحترام القانون، وهذا ما يسمى بالثقافة المدنية.
في ظل الدولة المدنية لا يمكن معاداة الدين ورفضه، بل هو عنصر من العناصر التي يجب أن تُحترم، فيُطلق للدين العنان من أجل بناء المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، ولأجل المحافظة على طهرانية الدين، فالدولة المدنية ترفض أن يُمارس الدين بمكر وخداع مع السياسة، الفصل هو الأساس فيها.
هذا الفارق الجلي بين الدولة المدنية والدينية يجب أن يكون قبلياً وليس بعدياً، لأن اللعب على ورقة المدنية أسهل وأكثر طواعية مع مختلف طبقات المجتمع من محاولة إقناعهم بالدولة الدينية، ليس لأن الناس غير متدينين، لكن هناك تشكُّل حدث إبان تطور المجتمعات العربية في القرون الأخيرة دفعها لأن تكون مجتمعات مدنية تحافظ على إسلامها بكل هدوء وثقة.
الدولة المدنية لا تخيف أحداً، لكن الدولة الدينية من الممكن لها أن تلغي كل أحد، خصوصاً ممن لا يتفقون معهم في العقيدة، وبهذا تنقلب الدولة الدينية من دولة أخلاقية إلى دولة أشرس من كل ضباع وسباع الأرض