في بداية محاولة الانقلاب والمساعي لسرقة البحرين، وقف كثير من المحرضين والانقلابيين على منصة الدوار ليقولوا بخطاب صريح موجه للمحتشدين بأنها هذه هي “الفرصة” فإما يحققوا هدفهم المنشود أو لا، أو تحديداً بالأسلوب “الشكسبيري” الشهير “نكون أولا نكون”.
الخطابات التأجيجية التي كانت في الدوار، كلها كانت مبنية على أساس واحد بأن العملية تتطلب إنهاءها بنجاح، بحيث لا يمكن القبول بمجرد إحداث هزة في البلد أو افتعال فوضى عارمة، بل ضرورة أن يخلص كل ما يحصل إلى إسقاط النظام ورحيله والقضاء على كل من يؤيده ويناصره، وإن لم يحصل هذا وهي الاحتمالية التي أشار لها عدد من المتحدثين يومها فإنها تعني بأنه لن تقوم قائمة أخرى لمن يريدون خطف البحرين، ولن تتاح الفرصة مجدداً.
بعد إعلان السلامة الوطنية مارسوا كلهم الكذب، من قياداتهم التي مازالت تحرض إلى أتباعهم ومريديهم، كلهم أنكروا ما قاموا به، فالمناضلون أنكروا أنهم هتفوا بإسقاط النظام، وكثير ممن باتوا أياماً وليالي في الدوار ومارسوا التسقيط والإرهاب حينما وصلوا لمرحلة المساءلة أنكروا حتى ذهابهم إلى هناك.
بعد هذه المرحلة كان سعيهم لتبرئة أنفسهم من كل جريمة قاموا بها، أخذوا يكذبون ويفبركون حتى صوروا ما حصل في البحرين وكأن “الفعل” صادر من الدولة بينما الصادر عنهم ليس سوى “ردة فعل”، وهو خلاف الحقيقة التي تثبت أنهم هم من أشعلوا الشرارة الأولى، وأنهم هم من خرجوا للبحث عن دماء وجثث ليتاجروا بها، وأنهم هم من ارتكبوا الجرائم في مقام أول.
الخلاصة في تغير خطابهم وأسلوبهم هو السعي لإهالة التراب على ما فعلوه، ومحاولة الخروج من المسألة دون عقاب أو رادع مبني على القوانين المطبقة في البحرين والتي لا تختلف عن كافة الدول.
باختصار هم حاولوا الخروج من محاولتهم الانقلابية دون أن يدفعوا “الضريبة”، وهي الضريبة التي أشار لها أحد الخاطبين فيهم في الدوار بأنهم لو فشلوا فلن تقوم لهم قائمة.
بعد حالة السلامة الوطنية وبعد صدور تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق مساعيهم كلها تركزت على “الهرب” من تحمل المسؤولية، على “الهرب” من القانون وإيقاف تطبيقه عليهم بسبب الجرائم التي ارتكبوها.
وصلوا لمرحلة يطالبون فيها بإطلاق سراح جميع الموقوفين على ذمم قضايا تمس أمن الدولة، يريدون إطلاق سراح “الخلية الإرهابية” التي ثبت تواصل أعضائها مع أطراف خارجية تستهدف الأمن القومي للبلد، ويصرون على الإفراج عنهم فوراً رغم أنهم مارسوا التحريض العلني ودعوا للانقلاب وتغيير شكل البلد وهويتها.
تخيلوا في أي دولة في العالم تتم المطالبة بالإفراج الفوري وتعطيل تطبيق القانون بحق أناس خططوا لـ«عملية انقلاب”؟!
لو كانت نفس العملية حاصلة في بريطانيا والولايات المتحدة بالتحديد لرأيتم كيف يكون تعاطي هاتين الدولتين اللتين ترفعان الديمقراطية والحريات شعارات رنانة لهما مع هذه الفئات الانقلابية.
الأولى كانت ستطبق عليهم القانون بلا هوادة، وما فعلته في مفتعلي الشغب في لندن العام الماضي مثال صريح، والثانية وهي “خبيرة الضبط الأمني” فقط في حالة مس أمنها القومي وأعني الولايات المتحدة لا تتعامل مع هذه الأمور –أي المحاولات الإنقلابية- إلا بإجراءات مشددة، بل تطبق عليهم القوانين المعنية بالإرهاب ولا تلقي لصراخ المنظمات الحقوقية ولا حتى الأمم المتحدة برمتها بالا، تتعامل معهم هناك في”غوانتنامو” وتعرفون تماماً ما يحصل في “غوانتنامو”.
تثبيت الأحكام أمس بحق الخلية الإرهابية ليست سوى نتيجة منطقية لعملية طبيعية لتطبيق القانون، وبناء على الأدلة الثابتة على هؤلاء، خاصة من تخابر مع جهات أجنبية، ومن حرض وخطط للانقلاب ومن قاد العمليات على الأرض، وساهم في الإضرار بأمن وسلامة الفئات الأخرى في المجتمع بالإضافة لتطاوله على النظام السياسي وصولاً للتحريض على قتل المختلفين معهم سياسياً ومذهبياً.
هذه محاولة انقلابية صريحة، وضريبتها بالتالي تطبيق القانون، والقائمون عليها يعرفون تماماً أنهم في حال فشلهم فإن القانون سيطبق عليهم بشدة، إذ هي ليست مسيرة سلمية تطلق فيها هتافات فقط، بل محاولة تغيير النظام بالقوة وممارسات وصلت للتعدي على الناس وعلى حقهم في العيش بأمن وسلام، وعمليات قتل واستهداف لرجال الشرطة، وإعلان كيانات انفصالية على رأسها “الجمهورية” التي جاءت بعد تواصل من قبل قادة التحريض مع جهات خارجية كانت ومازالت وستظل تستهدف البحرين.
نواحهم وصياحهم وتوسلهم لمؤسسات حقوقية في الخارج ولأنظمة أجنبية، كلها أمور تهدف لإخراج قادة الانقلاب والمحرضين والإرهابيين من قبضة القانون ومنع تطبيقه عنهم، كلها محاولات لتجنيبهم دفع “ضريبة” المقامرة بمصير دولة وشعب بأكمله، علّ وعسى ينجحون ويختطفون البلد ويحولونها لملكية خاصة بهم.
ما حصل أمس تطبيقاً للقانون وفق تسلسل طبيعي في إجراءات التقاضي، وهي إجراءات مثبتة في قانوني العقوبات والإرهاب خاصة في البنود التي تتحدث عن الانقلاب على الدولة والتخابر مع جهات أجنبية والتحريض والدعوة لقتل رموز الحكم وتأجيج الصراع الطائفي والسعي لتغيير النظام بالقوة.
الإجراء غير الطبيعي هو ما يريدون الوصول إليه عبر إخراج كل من أجرم بحق الوطن وأهله دون أن يدفع “ضريبة” جريمته، ودون أن يحاسب على مساعيه للانقلاب على البلد.
هم عرفوا تماماً أن هذه عاقبة العملية إن فشلت، هم أدركوا ذلك منذ بدايات الدوار، هم وضعوا نصب أعينهم طريق “اللاعودة”، واعتبروها فرصة ذهبية لن تتكرر قد ينجحون فيها في إسقاط النظام، وهو ما أدى بالوفاق وأذيالها للتعنت إزاء مبادرة سمو ولي العهد، وهو ما أدى بهم لزيادة العنف والتمدد خارج الدوار.
هم يعرفون النتيجة منذ البداية لأنها محاولة انقلاب ولا شيء آخر، لكن على ما يبدو بأن تسامح الدولة التي اشتهرت به في السابق جعلهم يطمعون أكثر، وأوصلهم لمرحلة يعملون فيها بجد ليصفروا العداد، ولتكون محاولة الانقلاب “مجانية” وبدون ضريبة يجب عليهم دفعها.