صاحب النظرة القصيرة، عادة، ما يرى إلا ما أمامه، إلى الأبعد لا ينظر، وإلى ما يتحرّك وراء أصابع يده لا يرى، من هنا تجده دائم التذمر، متشكياً من قسوة الظروف، ومن عدم اهتمام الآخرين له، وإن الدولة التي ينتمي إليها لا تستحق ما يعطيه لها من إنجازات وأفكار، وإن الذين يخدمهم بقلبه لا يهتمون بتضحياته.
من هنا وجدت من الواجب، أن أقص عليكم إحدى القصص التي استوقفتني، وبالطبع ستستوقف غيري، لما تحمله من معان أكثر من الحصر والعد. تقول القصة:
طلب الابن من أمـه أن تعطيـه مبلغـاً منَ المال، خفيـة عن أبيـه، بعد أن استهلك مصـروفه الأسبوعي.. ولكنها رفضـت لعلمهـا أنه سوف يصرفـه فقط على ألعاب الفيديو وشراء الحلويات التي يحبها.. واستبد الغضب بالابن لما رأى من ظلم أصابه، وفي المساء عندما كانت الأم في المطبخ تعد العشاء، وقف الابن أمامها وسلمها ورقـة أعدها مسبقـاً بعد أن جففت الأم يدها وأمسكت بالورقة وقرأت المكتوب:
1- سعر تنظيـف غرفتـي لهـذا الأسبوع = 70 ريالاً.
2- سعر ذهابي للسوق مكانك = 20 ريالاً.
3- سعر اللعب مع أخـي الصغير= 20 ريالاً.
4- سعر مساعدتي لكِ في تنظيـف البيت= 20 ريالاً.
5- سعر حصُولـي على علامـات ممتازة في المدرسة = 70 ريالاً، والمجموع = 200 ريال.
وختم الابن ما كتبه في الورقة بجملة “وفوا الأجير حقـه قبـل أن يجف عرٍقـه”.
نظـرت الأم إلى ابنها الواقف بجـانبها، وابتسمت بحنـان والتقطت قلمـاً وقلبت الورقة وكتـبت:
1- سعر 9 أشهر حملتك بها في أحشائي= بلا مقابل.
2- سعر الحليب الكامل الذي أرضعتك إياه عشرون شهـراً= بلا مقابل.
3- سعر تغيير الحفاظات وتنظيفك لست سنـوات= بلا مقابل.
4- سعر كل الليالي التي سهرتها بجانبك في مرضك ومن أجل تطبيبك= بلا مقابل.
5- سعر كل التعب والدموع التي سببتها لي طوال السنين= بلا مقابل.
6 - سعر كل الليالي التي شعـرت بها بالفزع لأجلك وللقلق الذي انتابني= بلا مقابل.
7 - سعر كـل الألعاب والطعـام والملابس إلى اليوم= بلا مقابل.
وختمت الأم ما كتبته بجملة “يا ابني: حيـن تجمع كـل هذا فإن سعر حبـي لـك بلا مقابل”.
حين انتهى الابن من قراءة ما كتبته أمـه، أغرقت عينـاه بالدموع، ونظـر لأمـه وقال: “أمـي سامحيني أحبك كثيراً”.
ثـم أخـذ القلم وكتب بخط كبيـر.. “دين لا يمكن رده”.
كـن معطاءً ولا تكن متطـلباً. خصوصاً مع أبويك فهناك الكثير لتعطيه لهما غيـر المال.
ماذا إن قمنا بتطبيق ما قالته الأم لولدها، على الوطن الذي ننتمي إليه، ماذا لو قال الوطن لنا، هل من فيكم من يعطيني ثمن الهواء الذي أعطيت. والسماء التي أمطرت والتراب الذي كان سريركم. كم من الأشياء والأشياء التي تمر علينا مرور الكرام، نحن دائماً نتكلم عن واجب الدولة علينا، ولا نتكلم عن واجبنا عن بناء الدولة، وبالتالي المجتمع المحلي والخليجي والعربي والعالمي. نقول للمتبرم، وما يقوله القانون الإلهي والطبيعي “إن لم تعط لن تأخذ. فأعط بلادك ما تستحق وستعطيك عشرة إضعاف ما أعطيت”.
إذا كانت أمك على قيـد الحياة وقـريبة منـك، فقبـل رأسها وأطلب منها أن تسامحك، وإذا كانت بعيدة عنـك، اتصل بها، وإذا هي متوفية فادعو الله لها بالرحمة.