لقد عبرت مشاركة الرئيس المصري محمد مرسي في قمة عدم الانحياز التي عقدت في طهران عن عمل اتسم باستراتيجية واضحة، كما نقل عدة رسائل بحضوره وأيضاً بالكلمة التي ألقاها في القمة.
الاستراتيجية هي عودة مصر للقيام بدورها في الإطار الإفريقي والعربي والدولي و«عدم الانحياز”. أما رسائل الكلمة التي ألقاها الرئيس مرسى في مؤتمر القمة بطهران فتتمثل في الآتي:
الأولى: إنه بدأ “باسم الله والصلاة والسلام على رسوله والترضية على الخلفاء الراشدين الأربعة ذاكراً إياهم بالاسم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي”، الرسالة هنا هي عودة الروح الإسلامية لمصر بعد “ثورة 25 يناير”، وتعبيرها عن الإسلام المعتدل السمح، الذي لا يفرق بين رسل الله، ولا بين صحابة الرسول وخلفائه الراشدين. فكلهم من ذوي الفضل ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل نشر الإسلام وإعلاء كلمته.
الثانية: إنه عبر عن المفهوم الإسلامي المعروف بتعبير “الظلم” حيث وصف النظام السوري بأنه نظام ظالم. فالظلم كما في الأثر “ظلمات”، وفي قول مأثور إن “الملك يدوم مع العدل ولو كان الحاكم كافراً، ولا يدوم مع الظلم ولو كان الحاكم مسلماً”. هل هناك رسالة أكثر وضوحاً من ذلك لمن يرغب في الفهم والإدراك.
الثالثة: إنه بتأكيده على حق الشعب السوري في حريته ضد النظام القمعي الظالم، أكد انتماءه كرئيس لثورة شعب مصر، الذي حصل على حقوقه بتغيير نظامه، وفي مقدمته رأس النظام، ورفضه لمفهوم توريث السلطة في نظام جمهوري، وكذلك رفضه لأساليب القمع للشعب السوري، في حين أن النظام السوري منذ 40 عاماً لم يطلق طلقة واحدة عبر الحدود على إسرائيل التي تحتل أراضيه في الجولان، رغم ادعائه مع أعوانه وأنصاره بأنهم يعبرون عن معسكر الرفض والممانعة والصمود، وغير ذلك من الألقاب والمسميات التي أصبحت فارغة من المعاني الصحيحة.
الرابعة: هي اختلافي مع بعض الكتابات العربية وربما الدولية التي ترى أن مرسي أصبح نجم حركة “عدم الانحياز”، وأكد دور مصر ونحو ذلك، وفي تقديري الشخصي أن مرسي استهدف التعبير عن مواقف مصر الثابتة تجاه القضايا العربية، وتجاه القضية الفلسطينية، وتجاه إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ولكن مصداقية مرسي نبعت من كونه رئيساً جديداً يعبر عن “ثورة 25 يناير”، وهو الأمر الذي جعل الإعلام العربي والدولي يهتم بكل كلمة يقولها، ثم أنه في ذكره للصحابة والخلفاء الراشدين بالاسم، فإنه في تقديري لم يقصد الإساءة لإيران أو للشيعة، وإنما هو يعبر عن موقف مصري دائم وعن الروح الأصيلة في الإسلام، بعدم التفرقة بين الصحابة وبين أهل بيت النبوة، وأن اختلاف الصحابة فيما بينهم، هو اختلاف في الرؤية والتقدير، الأمر الذي لا يعني مطلقاً أي عداء من أي من الخلفاء الراشدين ضد أي منهم، أنه عداء مصطنع ومفتعل وظهر من بعض الاتباع في عصور لاحقة. فالإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه وعليه السلام كان مستشاراً لأبي بكر ولعمر ولعثمان رضي الله عنهم جميعاً، وكان الإمام علي في مقدمة الصفوف من المقاتلين في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأرسل أولاده الحسن والحسين رضي الله عنهما، لحراسة الخليفة عثمان بن عفان، عندما هاجمه أصحاب الفتنة، وهناك مؤلفات عديدة تشير إلى الصلة الوثيقة والاحترام بين الخلفاء الراشدين الأربعة، وهذا من الأمور الثابتة في الفكر الديني المصري، حيث أشهر الكتاب والمفكرين أمثال الدكتور محمد حسين هيكل، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وعبد الرحمن الشرقاوي، وغيرهم، أصدروا مؤلفات حول الخلفاء الراشدين الأربعة، وحول الحسن ودوره في توحيد صفوف المسلمين، فيما عرف بـ “عام الجماعة”، وعن الحسين الذي أطلق عليه عبد الرحمن الشرقاوي “سيد الشهداء” لدفاعه عن مبادئه رغم كل الصعوبات والتحديات، كما أصدر كتاب مصريون كتباً حول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز باعتباره نجماً سطع في سماء حكم بني أمية العضوض، كما أطلق عليه العديد من المؤرخين، فالمصريون لا يميزون بين الصحابة، ولا يتحيزون ضد أي من صحابة النبي الكرام، أو الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين.
الخامسة: إن حديث الرئيس مرسي عن الوضع في سوريا بقوة وعنف لا يقصد منه نقد إيران أو الهجوم عليها، ولم يكن متوقعاً منه أن يجاملها، كما فعل المترجم للغة الفارسية بأن يشيد بنظام الأسد رغم ما يرتكبه من مجازر ضد شعبه، فمواقف مصر في هذا واضحة منذ “ثورة 25 يناير” وأيضاً في تصريحات الرئيس مرسي منذ توليه الرئاسة، وإنما هو رسالة واضحة وربما دعوة غير مباشرة لدول أخرى لتغيير موقفها، وهذا يتضمن رسالة تؤكد الموقف المصري، خاصة أن مواقف مصر من سوريا أو القضية الفلسطينية هي من ركائز السياسة المصرية الثابتة. ونفس الشيء ينطبق على علاقة مصر بأمن الخليج العربي، فمصر لا تجامل في مواقفها بل تؤكد عليها، ولا يمكن أن تقول قولاً مزدوجاً، ولا يمكن لمترجم مصري مثلاً أن يقوم بتغيير ما يقوله المتحدث، إن هذه ليست من خصائص الشخصية المصرية، كما حدث في طهران، إن هذه فضيحة أخلاقية بل هي كارثة تتعلق بالأمانة المهنية، والأخلاق السياسية، والقيم والمبادئ، فالمترجم أمين وناقل لما يقوله المتحدث، ولا ينقله حسب هواه ومزاجه، وفكره السياسي، ولو ثبت تورط المسؤولين الإيرانيين في ذلك كما تشير بعض وسائل الإعلام، تكون المسؤولية أعظم والفضيحة الأخلاقية أخطر.
الخلاصة، إن كلمة الدكتور مرسي عبرت عن مصر الأصيلة، وعن التجديد الذي طرأ على مصداقية قادتها، وهي المصداقية التي اكتسبها هذا التعبير بعد “ثورة 25 يناير”، وأود أن أشير إلى أن الرئيس الراحل أنور السادات عبر عن المواقف العربية الصادقة من على منصة الكنيست الإسرائيلي عندما زار إسرائيل عام 1977، ولكن معارضيه كانوا مدفوعين بالميول والأهواء، ولم يقرؤوا خطابه، ولا يعرفون دلالاته، ويمكن لمن يرغب أن يراجع خطاب السادات في الكنيست مع ما يحدث الآن من قبول مهين لسياسة إسرائيل واستمرار احتلالها لأراضي عربية.
^ باحث في الشؤون الإستراتيجية الدولية
الاستراتيجية هي عودة مصر للقيام بدورها في الإطار الإفريقي والعربي والدولي و«عدم الانحياز”. أما رسائل الكلمة التي ألقاها الرئيس مرسى في مؤتمر القمة بطهران فتتمثل في الآتي:
الأولى: إنه بدأ “باسم الله والصلاة والسلام على رسوله والترضية على الخلفاء الراشدين الأربعة ذاكراً إياهم بالاسم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي”، الرسالة هنا هي عودة الروح الإسلامية لمصر بعد “ثورة 25 يناير”، وتعبيرها عن الإسلام المعتدل السمح، الذي لا يفرق بين رسل الله، ولا بين صحابة الرسول وخلفائه الراشدين. فكلهم من ذوي الفضل ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل نشر الإسلام وإعلاء كلمته.
الثانية: إنه عبر عن المفهوم الإسلامي المعروف بتعبير “الظلم” حيث وصف النظام السوري بأنه نظام ظالم. فالظلم كما في الأثر “ظلمات”، وفي قول مأثور إن “الملك يدوم مع العدل ولو كان الحاكم كافراً، ولا يدوم مع الظلم ولو كان الحاكم مسلماً”. هل هناك رسالة أكثر وضوحاً من ذلك لمن يرغب في الفهم والإدراك.
الثالثة: إنه بتأكيده على حق الشعب السوري في حريته ضد النظام القمعي الظالم، أكد انتماءه كرئيس لثورة شعب مصر، الذي حصل على حقوقه بتغيير نظامه، وفي مقدمته رأس النظام، ورفضه لمفهوم توريث السلطة في نظام جمهوري، وكذلك رفضه لأساليب القمع للشعب السوري، في حين أن النظام السوري منذ 40 عاماً لم يطلق طلقة واحدة عبر الحدود على إسرائيل التي تحتل أراضيه في الجولان، رغم ادعائه مع أعوانه وأنصاره بأنهم يعبرون عن معسكر الرفض والممانعة والصمود، وغير ذلك من الألقاب والمسميات التي أصبحت فارغة من المعاني الصحيحة.
الرابعة: هي اختلافي مع بعض الكتابات العربية وربما الدولية التي ترى أن مرسي أصبح نجم حركة “عدم الانحياز”، وأكد دور مصر ونحو ذلك، وفي تقديري الشخصي أن مرسي استهدف التعبير عن مواقف مصر الثابتة تجاه القضايا العربية، وتجاه القضية الفلسطينية، وتجاه إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ولكن مصداقية مرسي نبعت من كونه رئيساً جديداً يعبر عن “ثورة 25 يناير”، وهو الأمر الذي جعل الإعلام العربي والدولي يهتم بكل كلمة يقولها، ثم أنه في ذكره للصحابة والخلفاء الراشدين بالاسم، فإنه في تقديري لم يقصد الإساءة لإيران أو للشيعة، وإنما هو يعبر عن موقف مصري دائم وعن الروح الأصيلة في الإسلام، بعدم التفرقة بين الصحابة وبين أهل بيت النبوة، وأن اختلاف الصحابة فيما بينهم، هو اختلاف في الرؤية والتقدير، الأمر الذي لا يعني مطلقاً أي عداء من أي من الخلفاء الراشدين ضد أي منهم، أنه عداء مصطنع ومفتعل وظهر من بعض الاتباع في عصور لاحقة. فالإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه وعليه السلام كان مستشاراً لأبي بكر ولعمر ولعثمان رضي الله عنهم جميعاً، وكان الإمام علي في مقدمة الصفوف من المقاتلين في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأرسل أولاده الحسن والحسين رضي الله عنهما، لحراسة الخليفة عثمان بن عفان، عندما هاجمه أصحاب الفتنة، وهناك مؤلفات عديدة تشير إلى الصلة الوثيقة والاحترام بين الخلفاء الراشدين الأربعة، وهذا من الأمور الثابتة في الفكر الديني المصري، حيث أشهر الكتاب والمفكرين أمثال الدكتور محمد حسين هيكل، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وعبد الرحمن الشرقاوي، وغيرهم، أصدروا مؤلفات حول الخلفاء الراشدين الأربعة، وحول الحسن ودوره في توحيد صفوف المسلمين، فيما عرف بـ “عام الجماعة”، وعن الحسين الذي أطلق عليه عبد الرحمن الشرقاوي “سيد الشهداء” لدفاعه عن مبادئه رغم كل الصعوبات والتحديات، كما أصدر كتاب مصريون كتباً حول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز باعتباره نجماً سطع في سماء حكم بني أمية العضوض، كما أطلق عليه العديد من المؤرخين، فالمصريون لا يميزون بين الصحابة، ولا يتحيزون ضد أي من صحابة النبي الكرام، أو الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين.
الخامسة: إن حديث الرئيس مرسي عن الوضع في سوريا بقوة وعنف لا يقصد منه نقد إيران أو الهجوم عليها، ولم يكن متوقعاً منه أن يجاملها، كما فعل المترجم للغة الفارسية بأن يشيد بنظام الأسد رغم ما يرتكبه من مجازر ضد شعبه، فمواقف مصر في هذا واضحة منذ “ثورة 25 يناير” وأيضاً في تصريحات الرئيس مرسي منذ توليه الرئاسة، وإنما هو رسالة واضحة وربما دعوة غير مباشرة لدول أخرى لتغيير موقفها، وهذا يتضمن رسالة تؤكد الموقف المصري، خاصة أن مواقف مصر من سوريا أو القضية الفلسطينية هي من ركائز السياسة المصرية الثابتة. ونفس الشيء ينطبق على علاقة مصر بأمن الخليج العربي، فمصر لا تجامل في مواقفها بل تؤكد عليها، ولا يمكن أن تقول قولاً مزدوجاً، ولا يمكن لمترجم مصري مثلاً أن يقوم بتغيير ما يقوله المتحدث، إن هذه ليست من خصائص الشخصية المصرية، كما حدث في طهران، إن هذه فضيحة أخلاقية بل هي كارثة تتعلق بالأمانة المهنية، والأخلاق السياسية، والقيم والمبادئ، فالمترجم أمين وناقل لما يقوله المتحدث، ولا ينقله حسب هواه ومزاجه، وفكره السياسي، ولو ثبت تورط المسؤولين الإيرانيين في ذلك كما تشير بعض وسائل الإعلام، تكون المسؤولية أعظم والفضيحة الأخلاقية أخطر.
الخلاصة، إن كلمة الدكتور مرسي عبرت عن مصر الأصيلة، وعن التجديد الذي طرأ على مصداقية قادتها، وهي المصداقية التي اكتسبها هذا التعبير بعد “ثورة 25 يناير”، وأود أن أشير إلى أن الرئيس الراحل أنور السادات عبر عن المواقف العربية الصادقة من على منصة الكنيست الإسرائيلي عندما زار إسرائيل عام 1977، ولكن معارضيه كانوا مدفوعين بالميول والأهواء، ولم يقرؤوا خطابه، ولا يعرفون دلالاته، ويمكن لمن يرغب أن يراجع خطاب السادات في الكنيست مع ما يحدث الآن من قبول مهين لسياسة إسرائيل واستمرار احتلالها لأراضي عربية.
^ باحث في الشؤون الإستراتيجية الدولية