سألني الصديق: .. هل قرأت بعض التقارير الواردة من (جينيف) مؤخراً، وتعدد التوصيات التي التزمت بها البحرين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وما حظي به تقرير البحرين من رضا، وما رافقه من جدل وصراع حقوقي وسياسي وإعلامي؟
قلت: لقد تابعت مثلما تابع غيري هذا الجدل حول موضوع حقوق الإنسان، وأراه -رغم ما حققه تقرير البحرين من تقبل إيجابي يشي بوجود قدر كبير من الجدية الرسمية في التعامل مع هذا الملف- جدلاً إيجابياً ومفيداً للجميع، وحتى ما اعتراه من مماحكات وما حف به من صراعات كان أمراً طبيعياً، إذا ما وضعناه ضمن الأساس السياسي لهذا الصراع الذي لا يدور في حقيقته حول حقوق الإنسان إنما حول الأهداف السياسية للمعارضة التي تستغل هذا الملف، للتأثير على صورة السلطة في البحرين والدفع بالجهود نحو إدانتها، ضمن سلسلة من الجهود الأخرى، السياسية والإعلامية والحرية، وهو ما يسيء حقيقة لملف حقوق الإنسان في ذاته، ويؤثر سلباً على أصحاب الحقوق.
مع ذلك فإنني ما زلت أعتقد أن النقاش حول حقوق الإنسان مطلوب حتى في أرقى الديمقراطيات العالمية لأن هنالك دوماً آفاقاً أرحب لتطويرها وتحسينها، ولذلك فهو نقاش ضروري وحيوي لجهة السلطة ولجهة مؤسسات المجتمع المدني وتحفيزهما على تطوير وتعزيز منظومة حقوق الإنسان في التشريع والممارسة.
قال: ولكن ألا ترى أن الأمر تجاوز ما أشرت إليه من أهمية ملف حقوق الإنسان إلى محاولات البعض الإساءة للبحرين سياسياً، استناداً إلى معلومات مبتسرة أو منتقاة أو مزيفة أو غير دقيقة، والعمل على التقليل من شأن الجهود الرسمية والبرلمانية المبذولة على هذا الصعيد؟
قلت: قد يكون هذا عائداً في جانب منه الى استمرار الأزمة السياسية وعدم معالجتها بما يفتح الباب على المزيد من التجاذبات السياسية، والتي فتحت بدورها الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية، وقد يكون الأمر عائداً في جانب منه إلى عدم التقيد بالحدود الخاصة بمفهوم حقوق الإنسان نفسه ومرجعياته، مما تسبب في سوء الفهم، حيث أصبحت الدلالات الحقيقية (لحقوق الإنسان) شديدة الالتباس في الكثير من أنماط استخداماتها الدارجة في الصحافة وأجهزة الإعلام والخطابات السياسية المبتذلة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد استبلاه الآخرين والادعاء الفاضح، فالاستخدام المضلل للمصطلح أفضى إلى نوع من المغالاة التي قادت إلى التوظيف الأيديولوجي واستغلال آلام الناس وحاجاتهم وحقوقهم الإنسانية للمتاجرة بها أو للابتزاز.
إن حقوق الإنسان، وإن كانت ذات بعد إنساني وأخلاقي قبل كل شيء وترتبط بالتزاماتنا الدولية ثانياً، فإنها أيضاً تتسم بطابع نسبي ومحلي بما يجعلها غير مطلقة لا زماناً ولا مكاناً، حيث قد يختلف مضمونها من مجتمع لآخر، بل وقد يختلف في المجتمع نفسه من مرحلة تاريخية لأخرى، ومن ثم يصح القول، فعلاً، إنه لا يجوز تقديم نموذج مطلق لحقوق الإنسان، هذا فضلاً عن أن التفاوت في درجة تطور المفهوم الثقافي التاريخي لحقوق الإنسان من مجتمع إلى آخر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لفهم طبيعة التفاوت فيه، ولفهم مدى قدرتنا على بلورة (المفهوم القانوني الدولي الحديث) في ساحة العلاقات الدولية، ولعل البعد الأكثر بروزا في المسألة اليوم في تجربتنا هو المزايدة السياسية، أو الاستخدام الانتقائي في مواجهة الطابع المبدئي والأخلاقي والإنساني المطلوب تكريسه وترسيخه في الثقافة والقانون والممارسة العملية، وبهذا المعنى يفقد الموضوع طابعه الجهادي الأخلاقي الذي يفترض به أن يكون كجهد أهلي إنساني وقانوني من أجل الدفاع عن حقوق البشر - كل البشر بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والطائفة والطبقة الاجتماعية- ويتحول إلى عملية ابتزاز سياسي فقط لا يفيد كثيراً أصحاب الشأن أي أصحاب الحقوق المهدورة.
قال: أليس في هذا الكلام بعض التبرير لممارسات خاطئة تستخدم ملف حقوق الإنسان للإضرار بمصلحة البلاد والعباد؟
قلت: شخصياً لا أرى في النضال الصادق والمخلص والموضوعي من أجل حقوق الإنسان أي سوء، بل أراها جهاداً أكبر يحتاجه المجتمع من أجل المحافظة على توازنه ورشاده، وتحتاجه السلطة لترشيد سلطتها ويحتاجه الأفراد لضبط اندفاعاتهم، ونحتاجه جميعا ًلضمان أمننا الإنساني وسلامنا الأهلي، ولذلك فإن المناضلين الحقيقيين من أجل حقوق الإنسان في الغالب لا يشتغلون بالسياسة وبالعمل الحزبي، ولا يرتبطون بالأجندات الطائفية، ولا تؤثر فيهم النوازع والمصالح الفئوية مثلما يحدث عندنا، حيث تجد البعض يقفز من منبره الديني إلى مقعده السياسي وإلى منصبه الحزبي ومن هنالك يلبس قبعة الحقوقي وكأنه يخاف أن يخسر موقعاً أو مصلحة أو تذكرة في طائرة أو مكانة في جماعة، فهو بهذا المعنى يركض وراء ذاته ومصلحته الخاصة وليس وراء مصلحة عامة، وتلك مأساة حقيقية تجعل الحابل يختلط بالنابل وتجعل حكاية حقوق الإنسان ضائعة تائهة يختلط فيها الواقع بالخيال والحقيقة بالوهم والصدق بالكذب، وفي النهاية يضيع الحق وتضيع الحقوق. ولكني سوف أظل أقدم دور مناضلي حقوق الإنسان.
قلت: لقد تابعت مثلما تابع غيري هذا الجدل حول موضوع حقوق الإنسان، وأراه -رغم ما حققه تقرير البحرين من تقبل إيجابي يشي بوجود قدر كبير من الجدية الرسمية في التعامل مع هذا الملف- جدلاً إيجابياً ومفيداً للجميع، وحتى ما اعتراه من مماحكات وما حف به من صراعات كان أمراً طبيعياً، إذا ما وضعناه ضمن الأساس السياسي لهذا الصراع الذي لا يدور في حقيقته حول حقوق الإنسان إنما حول الأهداف السياسية للمعارضة التي تستغل هذا الملف، للتأثير على صورة السلطة في البحرين والدفع بالجهود نحو إدانتها، ضمن سلسلة من الجهود الأخرى، السياسية والإعلامية والحرية، وهو ما يسيء حقيقة لملف حقوق الإنسان في ذاته، ويؤثر سلباً على أصحاب الحقوق.
مع ذلك فإنني ما زلت أعتقد أن النقاش حول حقوق الإنسان مطلوب حتى في أرقى الديمقراطيات العالمية لأن هنالك دوماً آفاقاً أرحب لتطويرها وتحسينها، ولذلك فهو نقاش ضروري وحيوي لجهة السلطة ولجهة مؤسسات المجتمع المدني وتحفيزهما على تطوير وتعزيز منظومة حقوق الإنسان في التشريع والممارسة.
قال: ولكن ألا ترى أن الأمر تجاوز ما أشرت إليه من أهمية ملف حقوق الإنسان إلى محاولات البعض الإساءة للبحرين سياسياً، استناداً إلى معلومات مبتسرة أو منتقاة أو مزيفة أو غير دقيقة، والعمل على التقليل من شأن الجهود الرسمية والبرلمانية المبذولة على هذا الصعيد؟
قلت: قد يكون هذا عائداً في جانب منه الى استمرار الأزمة السياسية وعدم معالجتها بما يفتح الباب على المزيد من التجاذبات السياسية، والتي فتحت بدورها الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية، وقد يكون الأمر عائداً في جانب منه إلى عدم التقيد بالحدود الخاصة بمفهوم حقوق الإنسان نفسه ومرجعياته، مما تسبب في سوء الفهم، حيث أصبحت الدلالات الحقيقية (لحقوق الإنسان) شديدة الالتباس في الكثير من أنماط استخداماتها الدارجة في الصحافة وأجهزة الإعلام والخطابات السياسية المبتذلة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد استبلاه الآخرين والادعاء الفاضح، فالاستخدام المضلل للمصطلح أفضى إلى نوع من المغالاة التي قادت إلى التوظيف الأيديولوجي واستغلال آلام الناس وحاجاتهم وحقوقهم الإنسانية للمتاجرة بها أو للابتزاز.
إن حقوق الإنسان، وإن كانت ذات بعد إنساني وأخلاقي قبل كل شيء وترتبط بالتزاماتنا الدولية ثانياً، فإنها أيضاً تتسم بطابع نسبي ومحلي بما يجعلها غير مطلقة لا زماناً ولا مكاناً، حيث قد يختلف مضمونها من مجتمع لآخر، بل وقد يختلف في المجتمع نفسه من مرحلة تاريخية لأخرى، ومن ثم يصح القول، فعلاً، إنه لا يجوز تقديم نموذج مطلق لحقوق الإنسان، هذا فضلاً عن أن التفاوت في درجة تطور المفهوم الثقافي التاريخي لحقوق الإنسان من مجتمع إلى آخر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لفهم طبيعة التفاوت فيه، ولفهم مدى قدرتنا على بلورة (المفهوم القانوني الدولي الحديث) في ساحة العلاقات الدولية، ولعل البعد الأكثر بروزا في المسألة اليوم في تجربتنا هو المزايدة السياسية، أو الاستخدام الانتقائي في مواجهة الطابع المبدئي والأخلاقي والإنساني المطلوب تكريسه وترسيخه في الثقافة والقانون والممارسة العملية، وبهذا المعنى يفقد الموضوع طابعه الجهادي الأخلاقي الذي يفترض به أن يكون كجهد أهلي إنساني وقانوني من أجل الدفاع عن حقوق البشر - كل البشر بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والطائفة والطبقة الاجتماعية- ويتحول إلى عملية ابتزاز سياسي فقط لا يفيد كثيراً أصحاب الشأن أي أصحاب الحقوق المهدورة.
قال: أليس في هذا الكلام بعض التبرير لممارسات خاطئة تستخدم ملف حقوق الإنسان للإضرار بمصلحة البلاد والعباد؟
قلت: شخصياً لا أرى في النضال الصادق والمخلص والموضوعي من أجل حقوق الإنسان أي سوء، بل أراها جهاداً أكبر يحتاجه المجتمع من أجل المحافظة على توازنه ورشاده، وتحتاجه السلطة لترشيد سلطتها ويحتاجه الأفراد لضبط اندفاعاتهم، ونحتاجه جميعا ًلضمان أمننا الإنساني وسلامنا الأهلي، ولذلك فإن المناضلين الحقيقيين من أجل حقوق الإنسان في الغالب لا يشتغلون بالسياسة وبالعمل الحزبي، ولا يرتبطون بالأجندات الطائفية، ولا تؤثر فيهم النوازع والمصالح الفئوية مثلما يحدث عندنا، حيث تجد البعض يقفز من منبره الديني إلى مقعده السياسي وإلى منصبه الحزبي ومن هنالك يلبس قبعة الحقوقي وكأنه يخاف أن يخسر موقعاً أو مصلحة أو تذكرة في طائرة أو مكانة في جماعة، فهو بهذا المعنى يركض وراء ذاته ومصلحته الخاصة وليس وراء مصلحة عامة، وتلك مأساة حقيقية تجعل الحابل يختلط بالنابل وتجعل حكاية حقوق الإنسان ضائعة تائهة يختلط فيها الواقع بالخيال والحقيقة بالوهم والصدق بالكذب، وفي النهاية يضيع الحق وتضيع الحقوق. ولكني سوف أظل أقدم دور مناضلي حقوق الإنسان.