من بين التغريدات المخالفة للمألوف التي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي من تلك التي تناول مطلقوها جلسة جنيف الحقوقية وما جرى فيها، برزت على استحياء تغريدة فحواها أن ما حدث هناك كان عبارة عن نشرنا لغسيلنا في الخارج، وأنه ما كان ينبغي فعل ذلك وأن الأجدى منه هو “لم الشمل والإصلاح والسير في مركب يحملنا جميعاً”، ساندتها تغريدة عاقلة أخرى تقول “فلتكن جنيف منطلقاً لجميع أهل البحرين للاتفاق على الإصلاح والمصالحة.. هنا.. على أرضها الغالية”.
التغريدتان عاقلتان وواقعيتان وتعبران عن قناعة مفادها أن مسألة الدعوة إلى إسقاط النظام دعوة فارغة لا قيمة لها، وأن الواقع والمنطق يقولان إنه إذا كانت “النية صافية” فإن حل المشكلة البحرينية يكون في البحرين وبأيدي أهلها وليس في الخارج أو بأيدٍ غير بحرينية. أما الوجه الآخر من قيمة هاتين التغريدتين فهو أنهما صدرتا عن اثنين من المحسوبين على “المعارضة” وهو ما يعيد إلى السطح مسألة المعارضة الناعمة والمعارضة الخشنة، حيث الناعمة هي التي تنتمي إلى العقل والواقع وتعبر عن خبرة وتجربة بينما تنتمي الخشنة إلى المساحة التي يغيب فيها العقل ويبتعد عن الواقع ويعتمد الأحلام ويطلق العنان للخيال.
وبغض النظر عن وقوع بعض الجمعيات السياسية في “كمين” ما يسمى ائتلاف فبراير حتى لم يعد بالإمكان التفريق بين منطقها ومنطقه بل بدت تابعة له وساعية إلى إرضائه، بغض النظر عن هذا فإن الجمعيات السياسية تظل منتمية إلى مدرسة الواقع التي تقول إن مسألة إسقاط النظام هي من نوع حلم إبليس في الجنة وإن الأفضل من كل هذا الذي لن يوصلنا إلى شيء؛ بل على العكس سيهدم كل ما تم بناؤه في السنين الماضيات، هو الاحتكام إلى العقل والدخول في مساحة التفاهم عبر إجراء حوار يشترك فيه الجميع هدفه خير البحرين وأهلها.
مشكلة الجمعيات السياسية في البحرين ومعها “عقلاء” من خارجها هو أنها انشغلت بالبحث عن دور لها وبصمة في تاريخ “المعارضة” في البحرين من دون أي اعتبار إلى أن ذلك يتم على حسابها وحساب تاريخها ويسيء إلى عناصرها الذين يفترض أن التجربة صقلتهم واكتسبوا الخبرة التي تعينهم على التعامل مع النظام ومسايرة التغيرات في أحلك الظروف. لهذا وجدت نفسها بلا دور قيادي وسقطت في براثن ذلك الكمين الذي هو من دون شك من نتاج عقل “مستشارين” يتمنى المرء أنهم لايزالون يعملون من الخارج وليسوا قابعين ها هنا!
هذا يعني أنه صار على الجمعيات السياسية التي يفترض أن يكون لها دور في البناء والإصلاح أن تعود إلى رشدها وأن تترك عنها “الربربة” التي لن تنفعها وتنتبه إلى خدمة هذا الوطن الذي يحتاجها ويحتاج فكرها ورؤيتها وتجربتها وخبرتها.
كان الأفضل من كل هذا الذي ورطت نفسها فيه حتى وصلت إلى حيث اتخذت جنيف ساحة معركة ضد مشروع إصلاحي يخدمها أن تساهم في البناء وأن تستفيد من المعطيات الموجبة وتحول السالبة أو غير المكتملة إلى فرصة لها تثبت من خلالها حبها لهذه الأرض وهذا الوطن وحبها لشعب البحرين بدل وضع يدها في يد شباب تنقصه التجربة ويفتقد الحكمة وتتحكم فيه العواطف وتقوده الخيالات.
من هنا تبدو تلك التغريدتان لامعتين وتعبران عن حكمة ورجاحة عقل صاحبيهما، فالبحرين في حاجة ماسة اليوم إلى من يساهم في مداواة جرحها وإلى من يعينها على الوصول إلى بر الأمان لا إلى أولئك الذين صاروا لا يعرفون ماذا يفعلون وضيعوا مشيتهم. البحرين وأهلها بحاجة إلى من يدعو إلى لم الشمل والإصلاح وإلى من يقول إننا في مركب واحد.. وإننا جميعاً “عيال ديرة”.