لعقود طويلة ظلت مسألة الشدة والحزم محل جدل ونقاش داخل النظام السياسي البحريني، فكافة القضايا السياسية تصنف طريقة تعامل الدولة معها بأنها طريقة بعيدة كل البعد عن الشدة والحزم. وحتى عندما شهدت الدولة إصلاحات سياسية واسعة أكثر من عقد من الآن، كانت هناك مراهنة بأن شدة وحزم الدولة انتهى من غير رجعة، لأن الديمقراطية تتيح لكل مواطن ولكل تيار سياسي ولكل تنظيم سياسي ممارسة ما يحلو له، وإبداء رأيه ومواقفه في مختلف القضايا دون قيود أو ضوابط.
ويبدو أن التيار الذي كان يراهن على أن الديمقراطية البحرينية ستؤدي إلى إنهاء شدة وحزم الدولة هو الذي تفوّق في النهاية، فصارت أسهل الانتقادات في أي وقت هو توجيه النقد للدولة أولاً لأنها دولة لا تتعامل بالشدة والحزم مع قضايا وتحدياتها الداخلية أو الخارجية.
السؤال الذي يطرح هنا؛ هل بالفعل أدى التحول الديمقراطي إلى تراجع قدرة الدولة على بسط النظام والقانون؟ وصار كل تجاوز يتم باسم الحريات المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية؟
نظرياً فإن التحول الديمقراطي يفترض أن يؤدي إلى حالة من سيادة القانون واحترامه لدى كافة الأطراف، سواءً كانت مؤسسة من مؤسسات الدولة، أو مسؤولاً، أو تنظيماً سياسياً مثل الجمعيات السياسية، أو حتى مؤسسات المجتمع المدني. فهل ينطبق هذا الطرح الافتراضي على البحرين أيضاً؟
الديمقراطية كانت مفاجأة في المجتمع البحريني عام 2001، ولم تكن متوقعة البتة في ذلك الوقت، ولذلك فإن كافة الممارسات الديمقراطية التي تمت بعد هذا التاريخ كانت ممارسات تجريبية، بمعنى أنها ممارسات قيد التجربة لشعب البحرين المتعطش للديمقراطية منذ منتصف السبعينات.
خلال هذه الأثناء لم تكن الثقافة السياسية القائمة على الحكم الديمقراطي وسيادة القانون جاهزة، وكان التحدي الأكبر في كيفية بنائها في ظل نظام سياسي تعددي لأبعد الحدود، ويتمتع بحالة توازن شديدة للنفوذ السياسي بين مختلف المكونات، فضلاً عن وجود مؤسسات متطرفة تملك نفوذاً هائلاً كما هو حال المؤسسة الدينية الشيعية.
ويبدو الآن بعد مرور عقد من الزمن، وأزمة 2011 أن الثقافة السياسية البحرينية مازالت مشوهة وغير ناضجة تماماً، سواءً على مستوى النخب أو على مستوى المسؤولين الرسميين ومنهم الوزراء طبعاً، وحتى الساسة المخضرمين منهم.
ولذلك فإن مسألة الشدة والحزم في الدولة البعض يراها صعبة وغير قابلة للتطبيق لأن الدولة البحرينية تشهد تحولاً ديمقراطياً، وينبغي السماح لكل مكونات المجتمع بالعمل في الشأن العام، وإبداء مواقفها وآرائها دون ضوابط أو قيود. وهذا الطرح غير صحيح تماماً، لأن الشدة والحزم في الدولة الديمقراطية ينبغي أن تقوم على القوانين والأنظمة منعاً لأي تجاوزات، وحفظاً لحقوق وحريات الأفراد وضمان توازنها بعيداً عن أي حالة تطرف. ولذلك متى ما طُلب الحزم في تطبيق القانون فإن ذلك ليس ترفاً سياسياً، وإنما ضرورة تحتاجها الدولة الديمقراطية لصيانة هيبتها وحفظ سيادتها الوطنية.