ربما يكون تقادم الزمان كفيل أن يصنع رجالاً من عقل وليس رجالاً من ورق أو طين، فكلما مر عام أو عامان أو أكثر لأية حادثة مهمة فإن الصورة تتضح جلياً للبشر، فيكون الحكم بعد أن تنكشف الحقيقة وتُشرق الصورة هو الفيصل للوصول إلى الحق. هذه هي فلسفة أن يكون الإنسان ناضجاً حال أن يتقدم في العمر، لهذا قال علي (رأي الشيخ أحب إليَّ من جَلَدِ الغلام). كلنا يلحظ هذا الفارق في مستوى التفكير، وحتى في مستوى نضوج العاطفة بين أن كنَّا صغاراً وحين كبرنا، فالصغير لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، أما الخبير من البشر فإنه ينظر إلى ما هو أبعد من الأفق. نحن البشر دائماً ما نعيش عبر توازنات دقيقة في حياتنا، وهو أن نكون بين اندفاع الشباب وبين تروي الشيوخ، فالانطلاقة عادة ما تكون شبابية، أما التوقف للتزود من أخطاء المراحل ومحاسبة التجربة لأجل الاستفادة منها فإنها تصدر من العقلاء وشيوخ القوم. إن ما حدث في البحرين مؤخراً، وإن كان فيه كثير من التعقيد، إلا أنه يعطينا مجموعة من الدروس يمكن للجميع أن يستفيد منها، فالأوائل من كبَّار السن كما يحدثونا فإنهم مروا بتجارب احتراب طائفي منذ زمن بعيد جداً، يشبه إلى حدٍّ ما، ما يحدث في أوساطنا اليوم، ومن المؤكد أنها كانت حرب استنزاف لوعي المجتمع وعاطفته وكل طاقاته. اليوم بعد أن تجاوز ذلك الجيل محنته وبدأ يلملم جراحه ونفسه نراه يقدم لنا تجربته على طبق من ذهب وبالمجان، فهو اليوم يحذرنا من مغبة التمادي في السير باتجاه عكس الريح خوفاً من الاصطدام بالحطام والصراع. ذلك الجيل فعل كل ما بوسعه من أجل أن يثبت للآخر شرعية بقائه حتى وصل إلى قناعة مفادها أن الطائفية نهاية الوطن. الفرق بين الأوائل وبين هذا الجيل، هو فرق عجيب وغريب، فالأوائل لم يكونوا من المتعلمين ولم يكونوا حتى من المتدينين، بل كانوا يعيشون في عصر أقرب إلى الظلام، مبتعدين عن هوس التكنولوجيا وكافة أدوات الاتصال الحديثة، بينما أبناء هذا الجيل هم من حملة الشهادات العليا، وكثير منهم من تخرج من تحت قباب المساجد والمؤسسات الدينية وربما العلمية كذلك، لهذا فإن من أخطأ من الأوائل، فإننا وبسهولة نجد لهم العذر في ذلك، لكن ما هو عذر من تعلم وتديَّن من أبناء هذا الجيل؟ أيها الجيل الجديد، أنتم اليوم تمارسون كل أنواع الاحتراب السياسي والطائفي، ومازالت الأجواء مفتوحة أمامكم لمزيد من هذا الاقتتال التافه، لكن بالله عليكم؛ أخبروني ماذا جنيتم وماذا كسبتم لكم ولوطنكم؟ ما هي الاستفادة التي خرجتم بها عبر تدينكم وشهاداتكم العليا؟ هل التدين السّمح والعلم المنفتح يجعلكم أكثر بعداً عن مناطق العقل؟ أم أنه التفكير الأعوج؟ بعد ما يقارب العام ونصف العام من الفوضى السياسية والطائفية يا أبناء البحرين، هل لكم أن تضعوا أيدينا على أحد المكاسب التي تحققت عبر بوابة انفلات الغرائز؟ أم أن كل ما يحصل اليوم هو استكمال أبله لما أخطأ به بعض السلف من الآباء والأجداد؟. نصيحتي المتواضعة لكل شباب البحرين أن يجلس كل واحد من هؤلاء الشباب مع أحد كبار السن من أبناء الطائفتين الكريمتين، ليتعلموا منهم الدروس وما جنته أخطاء تلك المرحلة من تاريخ الوطن. على شبابنا أن يتواضعوا قليلاً، تاركين شهاداتهم وراء ظهورهم للحظات ليستمعوا لقوم من خبراء الحياة، ليقولوا لهم لا تكرروا أخطاءنا، ومن المؤكد كذلك أنهم سوف يقولون لنا (يرحم أمكم.. ركزوا معنا شوي)، فأنتم تسيرون في الاتجاه الخاطئ.